سورة البقرة: كنزٌ من الهداية وأسرار البركة في حياة المسلم

التعريف بسورة البقرة

سورة البقرة هي إحدى السور المدنية الطوال، وتُعدّ أطول سور القرآن الكريم، حيث يبلغ عدد آياتها 286 آية. تأتي في المرتبة الثانية من حيث الترتيب في المصحف الشريف، وهي أول سورة نزلت في المدينة المنورة. تبدأ بحروف مقطعة "ألم"، وتحتوي على أطول آية في القرآن، وهي آية الدين (الآية 282)، بالإضافة إلى آية الكرسي التي تُعتبر أعظم آية في القرآن الكريم. سورة البقرة من السور التي تحمل العديد من الأحكام والتشريعات المهمة في حياة المسلمين، كما أنها تتميز بفضل عظيم في الحماية من الشياطين وجلب البركة لأهل البيت. تُختتم السورة بآيتين كريمتين تحملان دعاءً وتضرعًا إلى الله، وتُبيّنان إيمان الرسول والمؤمنين بما أُنزل إليهم. وقد ورد في فضل هاتين الآيتين أحاديث نبوية شريفة، منها قوله صلى الله عليه وسلم: "الآيتان من آخر سورة البقرة، من قرأهما في ليلة كفتاه" . تتميز سورة البقرة باحتوائها على أطول آية في القرآن، وهي آية الدَّين (282)، بالإضافة إلى آية الكرسي (255) التي تُعتبر من أعظم آيات القرآن. تتناول السورة موضوعات متعددة، منها التشريعات الإسلامية، وقصص الأنبياء، وتوجيهات للمؤمنين، وتحذيرات للمنافقين والكافرين. 

سبب التسمية 

يرى الإمام الزركشي أن تسمية السور في القرآن تعتمد على عنصر مميز يرد فيها، سواء كان حدثًا بارزًا أو معنى خاصًا. وقد سُمّيت سورة البقرة بهذا الاسم نظرًا لورود قصة البقرة فيها، والتي تحمل حكمة عظيمة وتُعدّ من أبرز ما ورد في السورة.

الموضوعات الرئيسية في السورة 

تناقش السورة العديد من القضايا، حيث تفتتح بذكر صفات المؤمنين، ثم تتناول صفات الكافرين، تليهم المنافقون وخصائصهم، فتقسّم الناس إلى ثلاث فئات: المؤمنون، الكافرون، والمنافقون، وتُحدد السمات الأساسية لكل فئة. كما أن السورة تُعنى بالتشريعات والأحكام التي تنظم حياة المسلمين، على غرار السور المدنية الأخرى التي تُركّز على النظم القانونية والاجتماعية.

أسباب النزول 

جاءت عدة آيات في سورة البقرة لمعالجة مواقف مختلفة، ومنها:
  • (الم ذَلِكَ الْكِتَابُ): ذكر مجاهد أن أول أربع آيات نزلت في وصف المؤمنين، تليها آيتان تتحدثان عن الكافرين، ثم ثلاث عشرة آية تتناول المنافقين. (إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا): ورد عن الضحاك أنها نزلت في أبي جهل وبعض أفراد أسرته، فيما قال الكلبي إنها تشير إلى اليهود. 
  • (وَإِذَا لَقُوا الَّذِينَ آمَنُوا): نُقل عن ابن عباس أنها نزلت في عبد الله بن أُبيّ وأصحابه، حيث كانوا يُظهرون الودّ للمسلمين ثم يُبطنون غير ذلك، فأنزل الله هذه الآية لكشف نفاقهم.

فضل سورة البقرة

جاء في السنة النبوية العديد من الأحاديث التي تبرز فضل هذه السورة، منها:

قال رسول الله ﷺ: "اقْرَؤُوا القُرْآنَ فإنَّه يَأْتي يَومَ القِيامَةِ شَفِيعًا لأَصْحابِهِ، اقْرَؤُوا الزَّهْراوَيْنِ البَقَرَةَ، وسُورَةَ آلِ عِمْرانَ، فإنَّهُما تَأْتِيانِ يَومَ القِيامَةِ كَأنَّهُما غَمامَتانِ، أوْ كَأنَّهُما غَيايَتانِ، أوْ كَأنَّهُما فِرْقانِ مِن طَيْرٍ صَوافَّ، تُحاجَّانِ عن أصْحابِهِما، اقْرَؤُوا سُورَةَ البَقَرَةِ، فإنَّ أخْذَها بَرَكَةٌ، وتَرْكَها حَسْرَةٌ، ولا تَسْتَطِيعُها البَطَلَةُ."

كما قال ﷺ: "لا تَجْعَلُوا بُيُوتَكُمْ مَقابِرَ، إنَّ الشَّيْطانَ يَنْفِرُ مِنَ البَيْتِ الذي تُقْرَأُ فيه سُورَةُ البَقَرَةِ."

مقاصد سورة البقرة

  • الإيمان والتوحيد: تبدأ السورة بالتأكيد على أن القرآن هو الكتاب الذي لا ريب فيه، هدى للمتقين، وتصف صفات المؤمنين، الكافرين، والمنافقين. كما تدعو إلى الإيمان بالله واليوم الآخر والملائكة والكتاب والنبيين. 
  • العبادات والأحكام الشرعية: تتضمن السورة العديد من الأحكام المتعلقة بالصلاة، الصيام، الحج، والزكاة، بالإضافة إلى أحكام الطهارة، الحلال والحرام، والبيوع. 
  • الأسرة والعلاقات الاجتماعية: تُبيِّن السورة أحكام الزواج، الطلاق، العدة، والرضاعة، وتُعالج مسائل الميراث والوصية، مما يُساهم في بناء مجتمع متماسك قائم على العدالة والرحمة.
  • القصص والعبر: تسرد السورة قصصًا عن أنبياء وأمم سابقة، مثل قصة آدم عليه السلام، بني إسرائيل، إبراهيم وإسماعيل عليهما السلام، وذلك للعبرة والتذكير بعاقبة الأقوام السابقة. 
  • الابتلاء والاختبار: تُشير السورة إلى أن الله يبتلي عباده بالخير والشر ليمتحن إيمانهم وصبرهم، وتُذكِّر المؤمنين بأهمية الصبر والثبات في مواجهة المحن. 
  • الجهاد في سبيل الله: تُبيِّن السورة فضل الجهاد وأحكامه، وتحث المؤمنين على الدفاع عن دينهم وأرضهم ضد المعتدين. 

أهمية سورة البقرة

وردت أحاديث نبوية عديدة تُبيِّن فضل سورة البقرة، منها:

  • قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "اقرؤوا سورة البقرة، فإن أخذها بركة، وتركها حسرة، ولا تستطيعها البطلة" (رواه مسلم). 
  • وقال صلى الله عليه وسلم: "لا تجعلوا بيوتكم مقابر، إن الشيطان ينفر من البيت الذي تُقرأ فيه سورة البقرة" (رواه مسلم). 

أسماء سورة البقرة

للسورة عدة أسماء، منها: 

  • السنام والذروة: لما ورد في الحديث النبوي الشريف: "البقرة سنام القرآن وذروته، نزل مع كل آية منها ثمانون ملكًا" (رواه أحمد).
  • الزهراء: لقوله صلى الله عليه وسلم: "اقرؤوا الزهراوين: البقرة وسورة آل عمران" (رواه مسلم).
  • الفسطاط: ذُكر هذا الاسم في بعض كتب التفسير، ويعني المدينة أو الخيمة الكبيرة، كناية عن احتوائها على العديد من الأحكام والتشريعات

 دور سورة البقرة في حياة المسلم

الحث على مكارم الأخلاق

تُعتبر سورة البقرة من السور التي تحث المسلم على التمسك بدينه والالتزام بأوامر الله، وتُذكِّره بضرورة الابتعاد عن المعاصي والذنوب. كما تُعزز السورة من صلة المسلم بربه من خلال العبادات والأذكار، وتُرشده إلى كيفية التعامل مع الآخرين بالعدل والإحسان.

باختصار، تُشكِّل سورة البقرة منهجًا متكاملاً لحياة المسلم، وتُبيِّن له الطريق المستقيم الذي ينبغي أن يسلكه في دنياه ليفوز برضوان الله في الآخرة. تتناول سورة البقرة موضوعات متعددة، منها الدعوة إلى الإيمان بالله وتوحيده، وبيان أحكام الشريعة الإسلامية في العبادات والمعاملات، وتوجيهات للمجتمع المسلم في مختلف جوانب الحياة. كما تتضمن قصصًا عن الأمم السابقة للعبرة والعظة. وقد أشار بعض العلماء إلى أن السورة تتألف من مقدمة وأربعة مقاصد وخاتمة، حيث تتناول المقدمة التعريف بشأن القرآن، والمقاصد تشمل دعوة الناس كافة إلى اعتناق الإسلام، ودعوة أهل الكتاب خاصة إلى ترك باطلهم والدخول في الدين الحق، وعرض شرائع هذا الدين تفصيلًا، وذكر الوازع الديني الذي يحث على الالتزام بتلك الشرائع . 

سورة البقرة تبعد السحر

تُعتبر سورة البقرة من السور القرآنية ذات الأثر الكبير في الوقاية من السحر والعين والحسد. فقد ورد في الحديث الشريف أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "اقْرَؤُوا سُورَةَ البَقَرَةِ، فإنَّ أخْذَها بَرَكَةٌ، وتَرْكَها حَسْرَةٌ، ولا تَسْتَطِيعُها البَطَلَةُ". والمقصود بـ"البَطَلَةُ" هنا السَّحَرة، مما يدل على أن السحرة لا يستطيعون التأثير على من يداوم على قراءة هذه السورة. 
بالإضافة إلى ذلك، فإن قراءة سورة البقرة في المنزل تُسهم في طرد الشياطين وتوفير الحماية من الشرور. فعن أبي هريرة رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "لا تَجْعَلُوا بُيُوتَكُمْ مَقابِرَ، إنَّ الشَّيْطانَ يَنْفِرُ مِنَ البَيْتِ الذي تُقْرَأُ فيه سُورَةُ البَقَرَةِ".

ولتحقيق الفائدة المرجوة، يُنصح بقراءة سورة البقرة كاملةً بانتظام، سواء كان ذلك يوميًا أو على فترات متقاربة، مع التركيز والتدبر في معانيها. كما يمكن الاستماع إليها في المنزل لتعزيز جو الطمأنينة والسكينة، والمساعدة في إبعاد تأثيرات السحر والعين. 

الخاتمة

تُظهر سورة البقرة أهمية الإيمان والعمل الصالح، وتُبرز رحمة الله بعباده من خلال التشريعات التي تهدف إلى تحقيق العدالة والرحمة في المجتمع. كما تُذكّر السورة بأهمية التقوى والالتزام بأوامر الله لتجنب الفتن والضلال. في الختام، تُعتبر سورة البقرة مرجعًا أساسيًا للمسلمين لفهم تعاليم دينهم وتطبيقها في حياتهم اليومية، وهي دعوة للتأمل والتدبر في آيات الله والعمل بما جاء فيها. في رأيي، سورة البقرة تُعتبر جامعة لمبادئ الإسلام وقيمه، وتُقدّم للمسلم منهجًا شاملاً للحياة، مما يجعلها ذات أهمية خاصة في تربية الفرد والمجتمع.

المصادر والمراجع

الجزيرة نت بتصرف 
موضوع دوتكوم بتصرف
اسلام ويب بتصرف

- المقالة التالية - المقالة السابقة
لايوجد تعليقات
    إضافة تعليق
    comment url