التوتر عند الأطفال القنبلة الصامتة التي تهدد صحتهم وسعادتهم

اكتشاف التوتر عند الطفل

القلق لدى الأطفال قد يبدو مشابهًا للخوف العابر، ولكن عندما تستمر المخاوف رغم محاولات التطمين، فقد يكون الأمر أعمق من مجرد قلق مؤقت. في هذه الحالة، من الضروري فهم الأسباب الكامنة وراءه وكيفية التعامل معه بشكل فعال. التوتر عند الأطفال ليس مجرد حالة عابرة، بل يمكن أن يكون له تأثيرات كبيرة على صحتهم الجسدية والنفسية والاجتماعية إذا لم يتم التعامل معه بشكل صحيح. لذلك، من الضروري مراقبة سلوكيات الطفل والاستجابة لأي علامات تدل على التوتر المزمن، مع توفير الدعم اللازم له لمساعدته على التكيف بطرق صحية.

أسباب التوتر عند الأطفال

يصف الدكتور ستيفن كورتز، أخصائي علم النفس، القلق بأنه يشبه "جهاز إنذار" يحمينا من المخاطر. ولكن عندما يكون الطفل مصابًا بقلق مرضي، يكون هذا الإنذار مفرط الحساسية، مما يدفعه إلى ردود فعل مبالغ فيها. تنوع أسباب القلق بين العوامل البيئية، والاجتماعية، والعائلية. إذ إن الأطفال الذين يعاني أحد والديهم من القلق أكثر عرضة للإصابة به بسبع مرات مقارنة بغيرهم. وتوضح الدكتورة جولدا جينسبيرغ، أستاذة الطب النفسي، أن الحماية الزائدة من الأهل قد تزيد من احتمال إصابة الطفل بالقلق. كما أن المواقف الصعبة، مثل فقدان شخص مقرب أو الانتقال لمكان جديد، قد تكون عوامل محفزة.

علامات القلق عند الأطفال

حسب دراسة نُشرت عام 2019، فإن 10% من الأطفال الذين تتراوح أعمارهم بين عامين وخمسة أعوام يعانون من اضطراب القلق. ومن العلامات التي قد تدل عليه:

  • نوبات الغضب أو العدوانية
  • البكاء المتكرر
  • توتر العضلات وصعوبة النوم
  • شكاوى من آلام في المعدة أو الصداع دون سبب طبي واضح
  • الانعزال الاجتماعي أو نوبات هلع متكررة

أما لدى الأطفال الأكبر سنًا، فقد يظهر القلق في صورة خوف مفرط من فقدان أحد الوالدين، أو صعوبة في الانفصال عن الأهل، أو التفكير المستمر في أسوأ السيناريوهات الممكنة.

علاقة التوتر بالغيرة عند الأطفال

الغيرة يمكن أن تكون سببًا رئيسيًا للتوتر عند الأطفال، خاصة عندما يشعرون بعدم الأمان أو بالمقارنة مع الآخرين. على سبيل المثال، قد يشعر الطفل بالغيرة عند ولادة أخ جديد، أو عندما يلاحظ تفضيل أحد الأشقاء عليه، مما يثير لديه مشاعر القلق والتوتر. قد يظهر هذا التوتر في سلوكيات مثل الغضب، الانطواء، نوبات البكاء، أو حتى محاولات لفت الانتباه بطريقة غير مرغوبة. التعامل مع الغيرة بطريقة صحيحة، مثل تعزيز الشعور بالمساواة بين الأطفال وتشجيعهم على التعبير عن مشاعرهم، يساعد في تقليل التوتر وتحسين صحتهم النفسية.

أنواع اضطرابات القلق عند الأطفال

  • اضطراب القلق العام (GAD): يتميز بالخوف المستمر بشأن الأمور اليومية، مثل الأداء المدرسي أو العلاقات الاجتماعية، وقد يسبب أعراضًا جسدية مثل التعب والصداع.
  • اضطراب القلق الاجتماعي: خوف مفرط من التفاعل مع الآخرين، مما قد يدفع الطفل إلى تجنب المدرسة أو المواقف الاجتماعية.
  • الصمت الانتقائي: حيث يكون الطفل قادرًا على التحدث في المنزل لكنه يصمت تمامًا في المواقف الاجتماعية.
  • اضطراب قلق الانفصال: خوف شديد من الابتعاد عن الوالدين أو النوم بمفرده.
  • اضطراب الوسواس القهري (OCD): يتمثل في أفكار متكررة ومزعجة تدفع الطفل إلى سلوكيات قهرية مثل غسل اليدين باستمرار أو التحقق المتكرر من الأشياء.

 تشخيص القلق عند الأطفال

غالبًا ما يُهمل تشخيص القلق عند الأطفال، حيث يعتقد بعض الآباء أنه مجرد مرحلة مؤقتة. لكن تجاهل المشكلة قد يؤدي لاحقًا إلى تبني الطفل سلوكيات خطرة، مثل اللجوء إلى العزلة أو حتى تعاطي المواد المخدرة في محاولة للهروب من مشاعر القلق المستمرة.

علاج توتر الأطفال 

العلاج السلوكي المعرفي (CBT)

يساعد الطفل في التعرف على مخاوفه وتعلم كيفية إدارتها، وقد يؤدي إلى تحسن ملحوظ خلال أسابيع أو أشهر. توتر الأطفال هو استجابة نفسية وجسدية للضغوط والمواقف التي تسبب لهم القلق، ويظهر بطرق مختلفة مثل الأعراض الجسدية كآلام المعدة والصداع، والأعراض النفسية كالتوتر المفرط والانفعالات العاطفية، إلى جانب تغيرات سلوكية مثل الانعزال أو نوبات الغضب. ينشأ التوتر لدى الأطفال نتيجة عوامل متعددة، مثل الضغوط المدرسية، المشكلات العائلية، التنمر، أو حتى التغيرات المفاجئة في بيئتهم. وللتعامل معه، من المهم توفير بيئة آمنة وداعمة للطفل، وتشجيعه على التعبير عن مشاعره، مع تعليمه أساليب التكيف مثل تمارين التنفس العميق أو ممارسة الأنشطة المهدئة، مع ضرورة اللجوء إلى مختص إذا استمر التوتر وأثر على حياته اليومية.

العلاج الدوائي

يُستخدم في الحالات الشديدة التي تؤثر على النوم أو الشهية، لكن لا يُوصى به إلا عند الضرورة.

اضطراب القلق المعمم عند الأطفال

هو حالة نفسية تتسم بشعور مستمر ومفرط بالقلق والتوتر حول مجموعة واسعة من الأنشطة أو الأحداث اليومية. يعاني الأطفال المصابون بهذا الاضطراب من صعوبة في التركيز، والتململ، والتهيج، وقد يشعرون بالإرهاق مع ظهور أعراض جسدية مثل آلام المعدة والصداع والتعرق المفرط. التشخيص يعتمد على استمرار هذه الأعراض لمدة لا تقل عن ستة أشهر، ويتم تقييم الطفل من خلال استبيانات أو جلسات مع طبيب مختص بالصحة النفسية. أما العلاج، فيتضمن تقنيات الاسترخاء والاستشارة النفسية، وفي الحالات الشديدة قد تُستخدم بعض الأدوية مثل مثبطات استرداد السيروتونين الانتقائية (SSRIs) أو البوسبيرون لتخفيف القلق. تجدر الإشارة إلى أن الظروف البيئية، مثل جائحة كوفيد-19 وما رافقها من تغييرات اجتماعية وعائلية، قد ساهمت في زيادة القلق لدى الأطفال بسبب الانعزال والتغيرات المفاجئة في نمط حياتهم.

إيذاء النفس غير الانتحاري عند الأطفال والمراهقين

يشير إيذاء النفس غير الانتحاري إلى تعمد إلحاق الأذى بالجسد دون نية إنهاء الحياة، ويتجلى ذلك في أفعال مثل الخدش أو الحرق أو الضرب أو الجرح. يرتبط هذا السلوك غالبًا بحالة من الكرب النفسي الشديد، وقد يكون وسيلة للتعبير عن الغضب، أو لجذب الانتباه، أو لمعاقبة الذات. في بعض الحالات، يصبح هذا السلوك شائعًا بين المراهقين داخل مجموعات معينة، لكنه يتلاشى تدريجيًا بمرور الوقت. مع ذلك، فإن بعض الحالات الأكثر تعقيدًا، خاصة لدى من يعانون من اضطرابات نفسية شديدة أو دعم اجتماعي ضعيف، قد ترتبط بزيادة خطر الانتحار. من الضروري أن يخضع المراهقون الذين يؤذون أنفسهم لتقييم شامل من قبل مختص في الصحة النفسية، بهدف فهم الأسباب الكامنة وراء هذا السلوك وتقديم العلاج المناسب، والذي غالبًا ما يتضمن العلاج السلوكي المعرفي لمساعدتهم على التحكم في مشاعرهم وإيجاد طرق صحية للتعامل مع الضغوط.

مضاعفات التوتر عند الأطفال الصغار ومخاطره

التوتر هو استجابة طبيعية للضغوط والتغيرات التي يواجهها الطفل في بيئته، ولكن عندما يصبح التوتر مزمنًا أو شديدًا، فإنه قد يؤدي إلى تأثيرات سلبية متعددة على صحة الطفل الجسدية والعقلية، وكذلك على تطوره العاطفي والاجتماعي. إليك أهم المضاعفات والمخاطر التي قد تنجم عن التوتر المستمر عند الأطفال الصغار:

المشكلات الصحية الجسدية

عندما يكون الطفل تحت ضغط مستمر، يفرز جسمه كميات زائدة من هرمونات التوتر مثل الكورتيزول والأدرينالين، مما قد يؤثر على وظائف الجسم الطبيعية. وتشمل التأثيرات الصحية ما يلي:

  • اضطرابات الجهاز الهضمي: قد يعاني الطفل من آلام في المعدة، غثيان، إسهال أو إمساك مزمن، والتي غالبًا ما تكون ناتجة عن التوتر العصبي.
  • الصداع المتكرر: نتيجة لشد العضلات والإجهاد الزائد.
  • اضطرابات النوم: مثل الأرق، النوم المتقطع، الكوابيس، أو صعوبة الاستيقاظ صباحًا بسبب التعب.
  • ضعف الشهية أو الإفراط في تناول الطعام: بعض الأطفال يفقدون شهيتهم بسبب القلق، بينما قد يلجأ آخرون إلى تناول الطعام كوسيلة للتعامل مع التوتر، مما قد يؤدي إلى مشكلات في الوزن والتغذية.
  • التأثير على الجهاز المناعي: الأطفال الذين يعانون من التوتر المزمن يكونون أكثر عرضة للإصابة بالأمراض، حيث إن التوتر يقلل من كفاءة جهاز المناعة، مما يجعل الجسم أقل قدرة على محاربة العدوى.

التأثيرات النفسية والعاطفية

التوتر المزمن قد يؤثر بشكل كبير على الصحة النفسية والعاطفية للطفل، ومن بين المضاعفات المحتملة:

  • زيادة مشاعر القلق والخوف: قد يصبح الطفل مفرط الحساسية تجاه الأحداث اليومية، ويعاني من القلق المستمر بشأن المستقبل أو الأشياء التي لا تستدعي القلق في العادة.
  • الاكتئاب: إذا لم يتم التعامل مع التوتر بطريقة صحية، فقد يؤدي ذلك إلى مشاعر الحزن المستمرة، قلة الاهتمام بالأنشطة المحببة، والإحباط المستمر.
  • نوبات الغضب والانفعالات العاطفية: بعض الأطفال يعبرون عن توترهم عن طريق نوبات الغضب أو الانفعال الزائد، مما قد يؤثر على علاقتهم بأسرهم وأصدقائهم.
  • ضعف القدرة على التعامل مع المشاعر: قد يجد الطفل صعوبة في التعبير عن مشاعره بطرق صحية، مما يجعله أكثر عرضة للانعزال أو العدوانية.

التأثير على السلوك والعلاقات الاجتماعية

يؤثر التوتر على سلوك الطفل وطريقة تعامله مع الآخرين، ومن أبرز المشكلات التي قد تظهر:

  • الانسحاب الاجتماعي: بعض الأطفال يصبحون أكثر عزلة، ويفضلون الابتعاد عن الأصدقاء والعائلة، مما قد يؤدي إلى صعوبة في تطوير مهاراتهم الاجتماعية.
  • السلوك العدواني أو التخريبي: قد يتصرف الطفل بعدوانية تجاه الآخرين أو يظهر سلوكيات تخريبية كرد فعل على التوتر.
  • صعوبة التركيز والانتباه: التوتر المزمن يؤثر على قدرة الطفل على التركيز، مما قد ينعكس على أدائه في المدرسة أو أثناء القيام بالأنشطة اليومية.

التأثيرات الأكاديمية والتعلمية

قد يواجه الأطفال الذين يعانون من التوتر مشكلات في التعلم والأداء الأكاديمي، بسبب:

  • ضعف التركيز والانتباه: مما يؤدي إلى نسيان المعلومات وصعوبة استيعاب الدروس.
  • قلة الحافز للدراسة: التوتر يجعل الطفل يفقد الاهتمام بالتعلم أو يشعر بالإحباط بسرعة.
  • الخوف من الفشل: قد يصبح الطفل مترددًا في المحاولة، أو يشعر بالخوف من الفشل، مما قد يؤثر على ثقته بنفسه.

المخاطر طويلة المدى

إذا لم يتم التعامل مع التوتر بطريقة صحيحة، فقد يكون له آثار طويلة المدى على صحة الطفل ومستقبله، ومنها:

  • اضطرابات القلق والاكتئاب في مرحلة المراهقة والبلوغ: الأطفال الذين يعانون من التوتر المزمن يكونون أكثر عرضة لتطوير اضطرابات نفسية لاحقًا.
  • مشكلات في التكيف مع الضغوط الحياتية: قد يجد الطفل صعوبة في التعامل مع تحديات الحياة المستقبلية بسبب عدم تطويره لآليات صحية للتكيف مع التوتر.
  • مشكلات صحية مزمنة: مثل ارتفاع ضغط الدم، أمراض القلب، واضطرابات الجهاز الهضمي المزمنة، حيث إن التوتر المزمن قد يكون عاملاً مساهمًا في ظهور هذه المشكلات الصحية لاحقًا.

طرق تقليل تأثير التوتر على الأطفال

لحماية الطفل من مضاعفات التوتر، يجب على الأهل ومقدمي الرعاية اتباع بعض الإجراءات الفعالة، مثل:

  • توفير بيئة داعمة ومليئة بالحب والتفهم، حيث يشعر الطفل بالأمان والراحة للتعبير عن مشاعره.
  • تعليمه استراتيجيات التكيف الصحيحة، مثل تقنيات التنفس العميق والاسترخاء.
  • تشجيعه على ممارسة الرياضة والأنشطة الترفيهية، حيث يساعد النشاط البدني في تخفيف التوتر.
  • التواصل الفعّال معه والاستماع إلى مشاكله، دون التقليل من مشاعره أو تجاهلها.
  • الحفاظ على نظام غذائي متوازن ونمط نوم صحي، حيث تؤثر التغذية والنوم بشكل مباشر على قدرة الطفل على التعامل مع الضغوط.
  • تقليل الضغوط غير الضرورية، مثل تقليل الأنشطة المرهقة أو الضغوط الأكاديمية الزائدة.

لا، التوتر عند الأطفال لا يسبب التوحد، سواء بعد سن الرابعة أو في أي عمر آخر. اضطراب طيف التوحد (ASD) هو حالة نمائية عصبية تظهر منذ الطفولة المبكرة، وعادة ما تكون واضحة قبل سن الثالثة. يُعتقد أن التوحد ناتج عن تفاعل معقد بين العوامل الجينية والبيئية، وليس بسبب التوتر أو الضغوط النفسية. ومع ذلك، يمكن أن يؤدي التوتر المزمن عند الأطفال إلى مشكلات سلوكية وعاطفية، مثل القلق أو اضطرابات المزاج، وقد يجعل بعض الأعراض المشابهة للتوحد (مثل العزلة الاجتماعية أو صعوبة التواصل) أكثر وضوحًا، لكنه لا يسبب التوحد نفسه. إذا لاحظت تغيرات كبيرة في سلوك الطفل بعد سن الرابعة، فمن الأفضل استشارة أخصائي نفسي أو طبيب أطفال مختص في النمو والتطور لتقييم الحالة بدقة.

الخاتمة

في الختام، يعد التوتر عند الأطفال مشكلة لا ينبغي الاستهانة بها، فهو يؤثر على نموهم العاطفي والعقلي، بل وقد يترك آثارًا طويلة المدى على صحتهم النفسية والجسدية. من الضروري أن يدرك الآباء والمربون أهمية توفير بيئة آمنة وداعمة، تشجع على التعبير عن المشاعر وتعزز الشعور بالأمان والثقة. في رأيي، يجب أن نولي اهتمامًا أكبر لمشاعر الأطفال، ونوفر لهم آليات سليمة للتعامل مع التوتر، مثل اللعب، والتواصل الفعّال، وتقنيات الاسترخاء. فالأطفال يحتاجون إلى الدعم والفهم، وليس فقط التعليم والتوجيه، ليكبروا بصحة نفسية متوازنة تمكنهم من مواجهة تحديات الحياة بثقة ومرونة.

المصادر والمراجع

أدلة msd اصدار المستخدم

يونيساف بتصرف.

- المقالة التالية - المقالة السابقة
لايوجد تعليقات
    إضافة تعليق
    comment url