الظلم في الإسلام: خطره وأثره في الدنيا والآخرة
الظلم
الظلم من أعظم الذنوب التي حذّر منها الإسلام، لما له من آثار وخيمة على الأفراد والمجتمعات. فهو الجور والتعدّي عن الحق إلى الباطل، سواء كان ذلك في حق الله، النفس، أو الآخرين. جعل الله العدل أساس الحياة، ونهى عن الظلم بجميع أشكاله، وأوعد الظالمين بعقاب شديد في الدنيا والآخرة.
الظلم في اللغة مصدر "ظلم"، وهو الجور والميل عن العدل. يُقال: "ظلم فلانًا" أي اعتدى عليه ولم يُنصفه.أما في الإصطلاح فيُعرَّف الظلم بأنه وضع الشيء في غير موضعه الصحيح، سواء بزيادة أو نقصان، أو الاعتداء على حقوق الغير ومجاوزة حدود الله. قال الله تعالى: (إن الله لا يظلم الناس شيئًا ولكن الناس أنفسهم يظلمون) [يونس: 44].
الظلم في الإسلام
أشكال الظلم في الإسلام
الظلم في الإسلام يأخذ أشكالًا متعددة، منها ظلم الإنسان لنفسه بارتكاب المعاصي والإعراض عن طاعة الله، وظلمه للآخرين بانتهاك حقوقهم، مثل الاعتداء على الأموال، أو الأعراض، أو الأرواح. كما يشمل الظلم في الحكم والقضاء، حين يُحرم صاحب الحق من حقه، وظلم الإنسان للمجتمع بنشر الفساد والباطل. يقول الله تعالى: (ولا تبخسوا الناس أشياءهم ولا تعثوا في الأرض مفسدين) [هود: 85]، في تأكيد على ضرورة العدل في كل جانب من جوانب الحياة.
ظلم الإنسان لنفسه
ظلم النفس هو التعدّي عليها بحرمانها من الخير أو إلحاق الضرر بها بارتكاب المعاصي. و من أمثلة ظلم الإنسان لنفسه ما يلي:
- الشرك بالله: أعظم أنواع ظلم النفس، كما قال الله تعالى: (إن الشرك لظلم عظيم) [لقمان: 13].
- الإعراض عن ذكر الله: يؤدي إلى حياة ضنك وعقاب في الآخرة، قال تعالى: (ومن أعرض عن ذكري فإن له معيشة ضنكًا ونحشره يوم القيامة أعمى) [طه: 124].
ظلم الإنسان للآخرين
يشمل التعدّي على حقوق الآخرين أو أموالهم أو أعراضهم مثل:
- أكل أموال اليتامى: قال الله تعالى: (إن الذين يأكلون أموال اليتامى ظلمًا إنما يأكلون في بطونهم نارًا وسيصلون سعيرًا) [النساء: 10].
- عدم العدل بين الأبناء: حث النبي صلى الله عليه وسلم على العدل بين الأبناء، قائلاً: (اتقوا الله واعدلوا بين أولادكم) [رواه البخاري].
- الاعتداء على الممتلكات: نهى الإسلام عن أخذ حقوق الغير بدون وجه حق، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: (من اقتطع حق امرئ مسلم بيمين كاذبة، فقد أوجب الله له النار وحرم عليه الجنة) [رواه مسلم].
ظلم الإنسان لمجتمعه وبيئته
يشمل الإضرار بالمصالح العامة، أو الإفساد في الأرض، أو الإضرار بالبيئة، وكل ذلك مخالف لأوامر الله.
عواقب الظلم في الإسلام
الإسلام يحذّر من الظلم لما يترتّب عليه من عواقب وخيمة، منها:
- غضب الله وعقابه: قال تعالى: (ولا تحسبن الله غافلًا عما يعمل الظالمون) [إبراهيم: 42].
- زوال البركة والرزق: الظلم يمنع الخير ويُسبب ضيق العيش.
- انتشار الفساد في المجتمع: الظلم يؤدي إلى تدهور العلاقات بين الأفراد وزيادة الفوضى.
- العذاب في الآخرة: قال النبي صلى الله عليه وسلم: (اتقوا الظلم، فإن الظلم ظلمات يوم القيامة) [رواه مسلم].
ظلم الأزواج لزوجاتهم
من أشكال الظلم التي تناولها الإسلام ظلم الأزواج لزوجاتهم. الزواج في الإسلام مبني على المودة والرحمة، كما قال تعالى: (وجعل بينكم مودة ورحمة) [الروم: 21]. ومع ذلك، قد يتجسّد الظلم في عدة صور، منها:
الإساءة الجسدية أو اللفظية
الإسلام نهى عن الإساءة إلى الزوجة بأي شكل، وحث على حسن المعاشرة، قال تعالى: (وعاشروهن بالمعروف) [النساء: 19].
عدم الإنفاق عليها
التمييز بين الزوجات
في حال التعدد، أوجب الإسلام العدل بين الزوجات. قال النبي صلى الله عليه وسلم: (من كانت له امرأتان فمال إلى إحداهما، جاء يوم القيامة وشقه مائل) [رواه الترمذي].
عاقبة ظلم الأزواج لزوجاتهم
- يُعرض الظالم للعقاب الإلهي في الدنيا والآخرة.
- يسبب تفكك الأسرة وغياب المودة والرحمة.
- يُسلب البركة من حياة الزوج.
موقف الإسلام من الظلم
الإسلام دين العدل والمساواة، ويعتبر الظلم من أكبر المحرمات التي حرّمها الله تعالى. الإسلام شدّد على تجنب الظلم بجميع أشكاله، سواء على مستوى الفرد أو المجتمع، وبيّن أن العدل أساس استقرار المجتمعات واستمرارها.
شمولية التحذير من الظلم
حرمة الظلم بين الناس
نهى الإسلام عن ظلم الناس في أموالهم، وأعراضهم، وحقوقهم. يقول النبي صلى الله عليه وسلم: (كل المسلم على المسلم حرام: دمه وماله وعرضه) [رواه مسلم].
التحذير من استغلال السلطة والقوة
الإسلام يعتبر استغلال السلطة أو القوة لإيقاع الظلم على الآخرين من أعظم الذنوب. قال النبي صلى الله عليه وسلم: (اللهم من ولي من أمر أمتي شيئًا فشق عليهم، فاشقق عليه) [رواه مسلم].
دعوة المظلوم مستجابة
الإسلام يُشدد على أن المظلوم له حق عند الله تعالى، حتى لو كان المظلوم كافرًا، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: (واتقِ دعوة المظلوم، فإنه ليس بينها وبين الله حجاب) [رواه البخاري].
قصص وعبر من القرآن والسنة عن الظلم
فرعون وظلمه لشعب بني إسرائيل
قصة أصحاب الجنة
في سورة القلم، يحكي الله قصة أصحاب الجنة الذين قرروا منع الفقراء من نصيبهم، فكانت النتيجة أن أهلك الله مزرعتهم بسبب ظلمهم. قال تعالى: (فطاف عليها طائف من ربك وهم نائمون فأصبحت كالصريم) [القلم: 19-20].
خطورة الظلم في الدنيا والآخرة
نهى النبي صلى الله عليه و سلم عن الظلم و دليل ذلك في الحديث عن أبي ذر الغفاري رضي الله عنه، قال النبي صلى الله عليه وسلم: (يا عبادي، إني حرمت الظلم على نفسي وجعلته بينكم محرمًا فلا تظالموا) [رواه مسلم]. هذا الحديث يبرز شمولية النهي عن الظلم حتى في أدق الأمور.
العدل كنقيض للظلم في الإسلام
- العدل في الإسلام ليس خيارًا، بل هو واجب شرعي يُثاب عليه المسلم.
- العدل في العلاقات الاجتماعية
- العدل بين الزوجين: يجب على الزوج العدل في النفقة والمودة إذا كان له أكثر من زوجة.
- العدل بين الأبناء: لا يجوز تفضيل أحد الأبناء على الآخر، لما لذلك من تأثير سلبي على الترابط الأسري.
- العدل مع المخالفين في الدين: الإسلام يأمر بإقامة العدل حتى مع غير المسلمين. قال الله تعالى: (إن الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلى أهلها وإذا حكمتم بين الناس أن تحكموا بالعدل) [النساء: 58].
على النفس
- يعيش الظالم في حالة من القلق والاضطراب النفسي، بسبب إحساسه بالذنب والخوف من العاقبة.
- يُحرم الظالم من التوفيق والبركة في حياته.
على المجتمع
- يؤدي الظلم إلى انتشار الكراهية والحقد بين الناس.
- يُسهم في زعزعة الأمن والاستقرار، مما يؤدي إلى ضعف المجتمع وتفككه.
الظالم في الآخرة
- يحاسب الظالم على كل صغيرة وكبيرة يوم القيامة.
- يُحرم من رحمة الله ومغفرته، ويكون مصيره النار إن لم يتب.
الوسائل الإسلامية لتجنب الظلم
التقوى والخوف من الله
التقوى هي الحاجز الأول ضد الظلم. المسلم الذي يستحضر رقابة الله عليه سيحرص على العدل في كل تصرفاته.
الإحسان إلى الآخرين
يقول الله تعالى: (وأحسن كما أحسن الله إليك ولا تبغِ الفساد في الأرض إن الله لا يحب المفسدين) [القصص: 77].
الاعتذار ورد الحقوق
إذا ظلم المسلم أحدًا، فإن عليه أن يعتذر ويرد المظلمة إلى صاحبها. يقول النبي صلى الله عليه وسلم: (من كانت له مظلمة لأخيه من عرضه أو شيء، فليتحلله منه اليوم) [رواه البخاري].
التوبة الصادقة
الإسلام يفتح باب التوبة لكل ظالم بشرط أن يُقلع عن الظلم، ويرد الحقوق إلى أهلها. قال تعالى: (إن الله يغفر الذنوب جميعًا إنه هو الغفور الرحيم) [الزمر: 53].