الاقتصاد الجزائري 2024: إصلاحات هيكلية ونمو مستدام في ظل التحديات العالمية
الإقتصاد
الإقتصاد هو علم اجتماعي يدرس كيفية إنتاج وتوزيع واستهلاك السلع والخدمات داخل المجتمع. يركز على دراسة كيفية استخدام الموارد المحدودة (مثل العمل، رأس المال، الأرض، والتكنولوجيا) لتلبية احتياجات الأفراد والمجتمعات. يشمل الإقتصاد تحليل القرارات الفردية والجماعية في الأسواق، إضافة إلى دراسة التفاعلات بين مختلف القطاعات الاقتصادية مثل القطاع العام والخاص، وكذلك السياسات الاقتصادية التي تؤثر على النمو، التضخم، البطالة، التجارة الدولية، والعدالة الاجتماعية.
الاستثمار في البيانات لتحقيق نمو اقتصادي مستدام
تعتبر البيانات اليوم من الركائز الأساسية التي تدعم تحقيق التنمية الاقتصادية في مختلف أنحاء العالم. وفي الجزائر، تزداد أهمية البيانات بشكل خاص في ظل التوجهات الجديدة التي تهدف إلى تعزيز التنوع الاقتصادي والابتكار، وتعد جزءًا محوريًا في تحديد السياسات الاقتصادية. التقرير الأخير للبنك الدولي سلط الضوء على الدور الكبير الذي تلعبه البيانات في تحسين اتخاذ القرارات الاقتصادية وزيادة فاعلية السياسات العامة.
النمو الاقتصادي في الجزائر
وفقًا لتقرير البنك الدولي الصادر في مايو 2024، شهد الاقتصاد الجزائري في عام 2023 نموًا مستدامًا وصل إلى 4.1٪. هذا النمو كان مدعومًا من القطاعات التقليدية مثل قطاع المحروقات، إلى جانب انتعاش القطاعات غير النفطية. وفي الوقت الذي استمرت فيه أسعار المحروقات العالمية في الانخفاض، حافظت الجزائر على استقرار احتياطياتها من العملات الأجنبية، التي بلغت 16.1 شهراً من الواردات بنهاية 2023. وفيما يخص التضخم، تم تسجيل انخفاض ملحوظ في الربع الأول من 2024 ليصل إلى 5.0٪، وهو ما يمثل تحسنًا كبيرًا مقارنة بالفترة السابقة.
استراتيجية تحسين السياسات العامة
من أبرز النقاط التي أشار إليها التقرير هي ضرورة الاستثمار في البيانات لتحسين فعالية السياسات الاقتصادية. خاصةً أن البيانات البديلة مثل بيانات الأقمار الصناعية وحركة السفن، أصبحت تقدم رؤى لحظية تعزز القدرة على التنبؤ بالتوجهات الاقتصادية. يشدد البنك الدولي على أهمية تحسين توافر البيانات الاقتصادية الرسمية لدعم اتخاذ قرارات أفضل في مجالات الاستثمار والنمو وسوق العمل.
التوقعات الاقتصادية للعام 2024
على الرغم من التوقعات الإيجابية لنمو الاقتصاد في عام 2024، حيث يُتوقع أن يحقق نموًا بنسبة 3.8٪، فإن الجزائر قد تواجه تحديات في ضوء الإنفاق العام المرتفع وزيادة الواردات. كما يشير التقرير إلى أن تباطؤ صادرات المحروقات قد يؤدي إلى ضغط على التوازنات المالية في المدى المتوسط. مع ذلك، تظل آفاق النمو في المستقبل القريب إيجابية، خاصة مع تحسن الأداء في القطاعات غير النفطية.
الإصلاحات الاقتصادية
أكد التقرير على الإصلاحات الأخيرة في الجزائر التي تتضمن تحسين بيئة الاستثمار من خلال قوانين جديدة مثل قانون الاستثمار والإصلاحات المصرفية. هذه الإصلاحات تهدف إلى تحفيز الاستثمار الخاص وتعزيز التنوع الاقتصادي من خلال دعم القطاعات غير النفطية. التوجه نحو تقليل الاعتماد على المحروقات يتطلب تعزيز قطاعي الصناعة والخدمات، وهو ما بدأت الجزائر في تحقيقه بشكل تدريجي.
إيجابية النمو الإقتصادي في 2024
في النصف الأول من عام 2024، سجل الاقتصاد الجزائري نموًا قويًا بنسبة 3.9٪، وذلك بفضل انتعاش القطاعات غير النفطية وزيادة الاستثمارات. كما شهدت الجزائر تحسنًا كبيرًا في استقرار الأسعار، حيث انخفض معدل التضخم إلى 4.3٪ خلال الأشهر التسعة الأولى من العام، نتيجة لزيادة قوة الدينار وانخفاض أسعار المواد الزراعية الطازجة. تُعزى هذه النتائج إلى استراتيجيات الحكومة الجزائرية في تعزيز التنويع الاقتصادي وتشجيع الاستثمار في القطاعات غير النفطية.
التحديات المستقبلية
ورغم التقدم المحرز، يواجه الاقتصاد الجزائري بعض التحديات الكبرى، أبرزها الاقتصاد الموازي الذي يقدر بنحو 90 مليار دولار. يُتوقع أن يكون التحدي الأكبر في المستقبل هو الحد من هذا الاقتصاد غير الرسمي من خلال تحسين بيئة الأعمال وتعزيز الرقمنة. الحكومة الجزائرية تركز بشكل كبير على تفعيل حلول تكنولوجية مبتكرة لدعم القطاع الخاص وتحقيق نمو مستدام. كما أن زيادة الإنتاجية الكلية للاقتصاد ستمثل حجر الزاوية لتسريع النمو في المستقبل.
تطلعات الجزائر في التجارة الأفريقية
من ناحية أخرى، تعد عضوية الجزائر في منطقة التجارة الحرة الأفريقية (AFCFTA) خطوة استراتيجية لتعزيز التجارة والصادرات في القارة. منذ انضمامها الكامل إلى المنطقة في نوفمبر 2023، بدأت الجزائر في استفادة كبيرة من إزالة الحواجز التجارية بين الدول الأفريقية. من المتوقع أن تساهم هذه العضوية في زيادة الصادرات الجزائرية، خاصة غير النفطية، حيث تتطلع الجزائر لتحقيق صادرات غير نفطية تصل إلى 30 مليار دولار بحلول عام 2030.
الرئيس الجزائري وتوقعات المستقبل الاقتصادي
في ظل هذه التحديات والفرص، شدد الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون على أهمية استمرار الإصلاحات الهيكلية لتمكين الاقتصاد من تجاوز التحديات الراهنة. كما أعلن عن توجه الحكومة لزيادة استثمارات القطاع الخاص وتوسيع رقعة الإنتاج المحلي، بما يعزز استدامة النمو. وأكد تبون في وقت سابق أن الجزائر قد تتجاوز الناتج الإجمالي المحلي الـ400 مليار دولار بحلول عام 2026 إذا استمرت هذه السياسات في تحقيق النجاح.
التنوع الاقتصادي المستدام
يعتبر الاستثمار في البيانات وتعزيز الرقمنة جزءًا أساسيًا من استراتيجية الجزائر لتحفيز النمو المستدام وتطوير قطاعات غير تقليدية. ورغم التحديات الاقتصادية، تظهر المؤشرات العامة للنمو والتطور في القطاعات المختلفة أن الجزائر على الطريق الصحيح نحو بناء اقتصاد متنوع وقادر على مواجهة تحديات المستقبل.
العوامل التي ساعدت الجزائر في التخلص من أعباء الديون الخارجية
سياسة اقتصادية جديدة ونمو اقتصادي مستدام
أكد الرئيس الجزائري، عبد المجيد تبون، في عدة مناسبات أن الجزائر "لم ولن تلجأ إلى الديون الخارجية"، مشيراً إلى أن البلاد انتهت من التعامل مع هذه الديون في إطار سياسة اقتصادية جديدة بدأت في عام 2019. قبل هذا العام، كان الاقتصاد الجزائري يعاني من العديد من التحديات، حيث كانت المديونية تشكل عبئاً على البلاد، في وقت كانت تتجاوز فاتورة الاستيراد السنوية الـ60 مليار دولار. ورغم التحديات الاقتصادية، كان الرئيس تبون قد أعلن أن الجزائر أصبحت "حرة في قراراتها السياسية والاقتصادية".
ملامح التحسن الاقتصادي والتخلص من الديون
في بداية 2019، كان الدين الخارجي الجزائري يشكل 1.06% من الناتج المحلي الإجمالي، إذ بلغ نحو 1.8 مليار دولار في يونيو 2018. وبحلول عام 2023، وصل الدين الخارجي إلى أقل من مليار دولار، وهو ما يفسره العديد من الخبراء بأنه عبارة عن مخلفات أو فوائد ديون سابقة، مؤكّدين أن الجزائر قد سددت كافة التزاماتها الخارجية. من جهة أخرى، شهدت الجزائر تحسناً ملحوظاً في احتياطي النقد الأجنبي، حيث ارتفع الاحتياطي إلى 70 مليار دولار في مايو 2024، ليجعل الجزائر واحدة من الدول الإفريقية الرائدة في هذا المجال. هذا التحسن في الاحتياطات ساهم في رفع القدرة على مواجهة الأزمات الاقتصادية وتخفيف الضغط على الخزينة العامة.
استراتيجيات التنويع الاقتصادي وزيادة الصادرات
ساهمت جهود الحكومة الجزائرية في تنويع الاقتصاد من خلال تطوير قطاعات غير نفطية، مثل الصناعة والبناء والخدمات، مما أسهم في استقرار الاقتصاد وزيادة الناتج المحلي الإجمالي الذي وصل إلى 260 مليار دولار في نهاية 2023. وتهدف الحكومة إلى مضاعفة هذا الرقم بحلول 2027. كما شهدت صادرات الجزائر غير النفطية نمواً ملحوظاً، حيث سجلت صادرات غير المحروقات رقماً قياسياً بلغ سبعة مليارات دولار.
التحدي
يواجه الاقتصاد الجزائري تحديات تتمثل في التضخم الذي يرتبط بارتفاع أسعار المواد الغذائية، وكذلك التقلبات في أسعار الهيدروكربونات التي قد تؤثر على الإيرادات. كما تشير التوقعات إلى أن التنوع الاقتصادي وجذب الاستثمارات الخاصة يعدان من الركائز الأساسية لضمان النمو المستدام في المستقبل.