تيارت: جوهرة الهضاب العليا وملتقى الحضارات
ولاية تيارت: تاريخ عريق وحضارة متجذرة
هي إحدى ولايات الجزائر تقع في شمال غرب الجزائر، و هي من أهم المواقع الأثرية المذهلة في الجزائر، وتُعد أقدم الولايات في الجزائر، هي ملتقى الحضارات القديمة للبلاد. ولاية تيارت هي جوهرة الهضاب العليا، التي تفصل كلًا من الأطلس التلي والأطلس الصحراوي. تبلغ مساحتها حوالي 20,673 كم²، تتميز بتضاريس متنوعة تشمل السهول والجبال والغابات.يحد الولاية من الجهة الشمالية ولاية غليزان، وولاية تيسمسيلت، ومن الجهة الجنوبية ولاية الأغواط، وولاية البيض، ومن الجهة الغربية ولاية معسكر وولاية سعيدة، وولاية الجلفة وولاية المدية من الشرق، حيث تبعد الولاية عن مستغانم التي تعتبر أقرب نقطة الى البحر الأبيض المتوسط حوالي 180كم، وتبعد عن وهران مسافة 250 كم تقريباً، وعن الجزائر 280 كم، يبلغ عدد سكان الولاية ما يقارب 851.133 نسمة، ومساحتها 20.050.50 كيلومتر مربع.
تتميز ولاية تيارت بقدمها و عراقتها ، تتوسطها بنايات من وقت الإستعمار الفرنسي أو حتى قبله . أهلها طيبون و كرماء، هي مدينة متحفظة ، و مازالت تحافظ على العادات و التقاليد .
ولاية تيارت مشهورة بأطباقها التقليدية كالكسكس و البركوكس و البرزڨان أو الرفيس ، معروفة أيضا بحسن الضيافة .
تاريخ ولاية تيارت
تاريخ ولاية تيارت عريق و طويل حثث مرت الولاية بأحقاب زمنية منذ ما قبل التاريخ و هذه أبرز مراحل تطورها:
1- الحضارة النوميدية
يعود تاريخ ولاية تيارت إلى عصور ما قبل التاريخ، حيث كانت مأهولة بالبشر منذ آلاف السنين. لها كل الأهمية في الحضارة النوميدية حيث استوطنتها قبائل الأمازيغ، و كانت جزءاً لا يتجزأ من مملكة ماسينيسا.
2- الحضارة الرومانية
ازدهرت تيارت في العصر الروماني،و كان اسمها آنذاك (Tingartia) ، و بفضل موقعها الاستراتيجي كانت أهم مركز حضاري . في القرن السابع الميلادي، بعد الفتوحات الإسلامية أصبحت تيارت معقلاً للحركات السياسية والفكرية، خاصة في عهد الدولة الرستمية، حيث كانت عاصمتها تاهرت مركزاً للتجارة والعلم.
3- الحضارة الرستمية و الفاطمية ثم الموحدين
تأسست تاهرت سنة 765م، وكانت دولة الرستميين، اتخذها القبائل الصحراوية مقرا لهم، بُنيت المدينة على السفح الجنوبي لجبل غزوان، بين ثلاثة أنهار كانت تزودها بالمياه. موقعها على المرتفعات حصنها بحماية طبيعية، و كانت تشكَل حلقة وصل بين الشمال والجنوب عن طريق وادي شلف، وبين الشرق والجنوب الغربي، كما أنها كانت بوابة لتجارة الذهب، وفي عام 908م استولى الفاطميون على الدولة وأصبحت تحت حكمهم، وبعد ذلك ومع انتقال الفاطميون الى مصر استولى على تاهرت قبيلة زنانة التابعة للموحدين.
أهمية ولاية تيارت الحديثة
تيارت ولاية مهمة في الغرب الجزائري منذ القدم ، و مازالك كذلك من خلال موقعها الجغرافي، الذي يربط بين الشمال والجنوب. تسعى الولاية دائما إلى تعزيز التنمية عبر مشاريها التنموية في جميع المجالات و هذه بعض مميزاتها :
1- المجال الديني التعليمي :
تتميز ولاية تيارت بتوزع المدارس القرآنية و المدارس التعليمية ، و كذلك توجد بها نسبة معتبرة من المساجد فمثلا دائرة الدحموني يوجد بها خمسة مساجد ، و كل دائرة لها نسبة حتى الأرياف تتوفر على مدارس مثل الشريطة و الضيعات الثلاثة بطريق مهدية و غيرها .
2-المجال الإقتصادي:
تعتمد تيارت في اقتصادها على الزراعة ، لأنها تحتوي أراضي زراعية شاسعة ، تعرف بإنتاجها الوافر للحبوب مثل القمح والشعير كل سنة.تنشط تيارت أيضا في مجال تربية الحياوانات حيث يبلغ إنتاج الحليب 230.000.000 لتر. تتوفر الولاية على موارد حيوانية تقدر ب7.190.000 رأسا من الأغنام و 347.652 رأسا من الأبقار وأخيرا 615.957 رأسا من الماعز.للنشاطإضافة إلى صناعة الألبان. كما تشتهر بتربية الخيول العربية الأصيلة، حيث تعتبر موطن الفروسية في الجزائر.
3- المجال الصناعي:
يشمل هذا القطاع عددا من الوحدات الإنتاجية: وحدة الميكانيكا، الشركة الوطنية للعربات الصناعية ،وحدة بطاريات السيارات ، منطقة صناعية، و تتوفر الولاية على منشآت قاعدية أساسية.
4- المجال الإجتماعي و الإداري:
تعتبر تيارت مفترقا للهضاب العليا، تتوسطها ثلاث طرق للاتصال (الطرق الوطنية رقم 23 و 14 و 40) التي تضمن الربط بين الشمال والجنوب وبين الشرق والغرب.يوجد بها مطار دولي يقع في عين بوشقيف. بالنسبة لقطاع التعليم العالي يوجد بالولاية قطب جامعي يسع 50.000 مقعدا ، ويشمل قطاع الصحة 17 من مستشفيات والمراكز الاستشفائية، ويبلغ إجمالي الأسرة 12534 سريرا.
5- مجال الموارد الطبيعية :
تيارت غنية بموارد طبيعية هامة منها 2.609.900 هكتار من الأراضي الفلاحية و 542.966 هكتار من مناطق السهوب والمناطق الغابية 942.422 هكتار. ويبلغ متوسط تهاطل الأمطار من 800 إلى 1000 مم سنويا. كما تزخر الولاية بموارد هامة من المعادن والكلس للمعادن والصلصال للآجر والقرميد والرمل الكرواتزي للطحن والزجاج وكلس المرمر لصخور النحت والفليس للطرقات والرمل للبناء القدرات الاقتصادية: وجود 20 أحواض منحدرة بقدرة 7.500.000 متر مكعب وستة أخرى في طور الإنجاز بقدرة 13.700.000 متر مكعب.
6- المجال الثقافي:
تمتزج الثقافة التيهرتية بالتأثيرات الأمازيغية والعربية، وتتميز بفنونها التقليدية مثل الحرف اليدوية ، خياطة البرنوس و الملابس التقليدية، و كذلك تشتهر بالنسيج كنسيج الزربية و الملابس الصوفية أيضا خاصة دائرة السوڤر ، الموسيقى الشعبية مثل فرق القرقابو ، والأهازيج التقليدية التي تعبر عن تراثها الغني.
7- المجال التراثي التقليدي:
مازالت المرأة التيارتية تحافظ على لباسها التقليدي كالڤندورة و الحايك و كذلك هو الحال بالنسبة للرجل القشابية والسروال المدور ، أهل تيارت كرماء ، مازالو يحافظون على نفس الحادات القديمة و يقدسون المناسبات الدينة كعاشوراء و المولد النبوي الشريف و الأعياد .
المعالم التاريخية والأثرية لولاية تيارت
تيارت هي الولاية رقم 14 من ولايات الجزائر ، تعتر ملتقا للحضارات القديمة و الحديثة منذ ما قبل التاريخ و خلف تاريخها الطويل كثيرا من المعالم التاريخية ، و منها ما هو حديث و نذكر منها ما يلي:
1- المسجد العتيق:
يتوسط المسجد العتيق قلب مدينة تيارت، تأسس في سنة 1870م، ويُطلق عليه أيضاً اسم الجامع الكبير، وجامع عين الكرمة، فهو يُجسَد الطراز العربي الحديث.
2- أضرحة لجدار:
هي عبارة عن قبور هرمية الشكل تعود الى البربر حيث تمثل تقاليدهم، تقع الأجدار على بعد 8 كم من دائرة فرندة التابعة لولاية تيارت وتنقسم الأضرحة الى قسمين، حيث يقع الجزء الأول منها على سلسة جبال الأخضر وتحتوي على ثلاثة معالم، والجزء الثاني منها يقع على جبل العروي ويضم عشرة معالم، وتُقدر المسافة بين الجزأين حوالي 6 كم.
3- الموقع الأثري تاهرت/ تاقدمت:
تاهرت الأثرية كما ذكرنا في تاريخ الولاية كانت مركزاً للدولة الرستمية، وتضم بقايا عمران إسلامي مميز، تقع في بلدية تاقدمت التي تبعد عن مدينة تيارت 8 كم، ويحتوي هذا الموقع الأثري على بقايا أثرية لكل من مدينة تاهرت التي تم تأسيسها على يد عبد الرحمن بن رستم، ومدينة تاقدمت التي تأسست خلال القرن التاسع عشر للميلاد على يد الأمير عبد القادر، وتشمل البقايا على السور الدفاعي وحمامات المدينة الرستمية.
4- قلعة بني سلامة:
هي قلعة أثرية قديمة تقع على بعد 6 كم من الجهة الجنوبية الغربية لدائرة فرندة التابعة لولاية تيارت، كانت قديماً عبارة عن موطن لقبيلة بني توجين وقبيلة بني سليم، وتُعرف أيضاً باسم قلعة بني سلامة نسبة للقبيلة، توجد بالقلعة خمسة مغارات وهي التي كان يخلو إليها العلامة إبن خلدون.
5- مغارة ابن خلدون:
هي رمز ثقافي و تاريخي و فخر لولاية تيارت، هي ليست مجرد معلم طبيعي فحسب، بل ترتبط باسم أحد أعظم المفكرين الجزائريين في التاريخ الإسلامي والعالمي و هو عبد الرحمن بن خلدون.تعتبر هذه المغارة البيت الذي لجأ إليه ابن خلدون في فترة من حياته، وهي التي ألهمته في كتابة بعض من أبرز أفكاره وأعماله و منها مقدمة ابن خلدون الشهيرة .
6- الزخارف الجدارية لكاف بوبكر:
هي من أجمل و أروع أشكال الفن الصخري في ولاية تيارت الجزائرية، تعود نقوشها الى فترة ما قبل التاريخ، وتبعد الزخارف الجدارية هذه قرابة 60 كم عن دائرة الدحموني التابعة لولاية تيارت وتضم هذه الجدارية العديد من الرسومات للأنسان و الحيوان التي تمثل العصر الحجري الحديث، والتي جسدت حياة الإنسان في ذاك الوقت كالترحال و الصيد و ضروف الحياة في ذلك الوقت.
7- موقع كولومناطة:
يقع في بلدية سيدي الحسني و سمي هذا الموقع الأثري بكولومناطة نسبة للإنسان البدائي الذي وجد هناك قديما و ذلك بدليل بقايا الهيكل العظمي الذي تم العثور عليه بهذا الموقع و الذي يعود تاريخه إلى 6330 قبل الميلاد، كما يمتد تاريخ موقع كولومناطة من العصر الباليوليتي وحتى العصر النيوليتي.
8- معتقل بيردو
تأسس من حقبة الإستعمار الفرنسي ، يعود تاريخه إلى سنة 1956 ،هو معتقل عسكري تبلغ مساحته الاجمالية 25 هكتار ، يقع في دائرة مهدية ، يوجد به مركز قيادة للضابط المسؤول رفقة مساعديه و مراقد للجنود الفرنسيين ، و يحتوي على 04 أبراج للحراسة ، فيه غرف خشبية و حديدية لنزم المعتقلين أغلبهم جنود عسكريين كانت تنشط به خلية لجبهة التحرير الوطني ترعى شؤون المعتقلين و حثهم على الثبات و كان المعتقلون يتعرضون إلى شتى أنواع التعذيب قبل تحويلهم إلى مراكز التعذيب و السجون و هذا المعتقل محصن حاليا.
9- مركز التعذيب لاصاص حمادية:
يقع هذا المركز في بلدية حمادية التابعة لدائرة مهدية ،أسس المركز سنة 1955 من طرف الهندسة العسكرية الفرنسية.تقدر مساحته بــ02 هكتار يحتوي على برجين للمراقبة علوهما 02 متر ، به فتحات في جميع الطبقات للجهات الأربعة للبرجين كانت تستعمل آنذاك للرصد و الدفاع عليهم ، به سور يحيط به من جميع الجوانب علوه 03 أمتار و به أسلاك شائكة و بمحاذاته توجد سكنات للضباط و مسبح و حديقة كان يستعمل هذا المركز للتعذيب و الاستنطاق و جمع المعلومات.
10- زمالة الأمير عبد القادر:
11- زاوية سيدي عدة
تقع الزاوية في بلدية مغيلة التابعة ل دائرة الدحموني وهي من أبرز المعالم الدينية و السياحية في ولاية تيارت، لما تحتويه من أماكن طبيعية و اثرية تعود الى ماقبل 1850م بكثير نذكر منهاجبل محنون الخلوة التي كان يتعبد فيها ولي الله سيدي عدة والمدرسة القرآنية القديمة جامع سي المخطار وجامع الطلبة، تقام حفلات دينية في المنطقة كل سنة . و تعرض فيها مهارات الفروسية و تقام الولائم و المأكولات التقايدية و يأتي السواح من داخل و خارج الوطن.
12-رواق الحرفيين
هورواق كبير توجد به محلات خاصة بالحرفيين، يضم 24 محلا تعرض و تباع فيه المنتوجات الحرفية اليدوية لفائدة الزوار و السياح ، يقع بساحة محمد بوضياف وسط ولاية تيارت، هذا الرواق يبرز كل ما تشتهر به الولاية من حرف تقليدية و يدوية التي من شأنها التعبير عن أصالة المنطقة.
13-تحف المجاهد
بني المتحف في سنة 2008 يقع بوسط المدينة بحي 330 سكن يتكون من 03 طوابق تضم بهو العرض ، قاعة المحاضرات ، قاعة للتوزيع و التنشيط و نادي بالإضافة إلى مكاتب للموظفين و قاعة اجتماعات و مكتبة و قاعة للأرتنت.
معالم سياحية طبيعية في ولاية تيارت تستحق الزيارة
1-غابة الصنوبر:
هي مكان طبيعي تقصده العائلات لقضاء عطلة نهاية الأسبوع بحثا عن الراحة، و بعيدا عن ضجيج المدينة. تقع في أعالي ولاية تيارت، هي مكان طبيعي خلاب تعمره العديد من أشجار الصنوبر ،و تمد السكان بالهواء النقي المنعش .
2-شلال سيدي واضح :
يقع هذا الشلال في بلدية ملاكو التابعة لولاية تيارت هو أبرز المعالم السياحية في الولاية تيارت. طبيعية خلابة أكثر من رائعة ، و شلالات من منابع طبيعية لا تجف صيفا و هي وجهة سكان تيارت ، حيث تجتمع الأشجار و النباتات الجبلية الخضراء مع صوت تدفق المياه ، هي منطقة سياحية بامتياز و أنصح بزيارتها.
3-غابة البلاطو:
تقع في بلدية تاڤدمت التابعة ل ولاية تيارت، و هي من أجمل غابات الولاية يقصدها الزوار من اجل الراحة و استجمام ، توجد بها مناظر طبيعية خلابة ، و هي مقصد للكثير من العائلات من داخل و خارج ولاية تيارت.
4-مركز تربية الخيول (شاوشاوة)
تأسس مركز تربية الخيول شاوشاوة في ولاية تيارت سنة 1874م ، يقع المركز محاذيا للطريق الرابط بين تيارت و دائرة الدحموني . هو مكان يتجسد فيه جمال الطبيعة و جمال الخيل العربية الأصيلة ، يعتبر من أهم و أكبر مراكز إنتاج الخيول من مختلف السلالات، على مستوى الوطن، و هذا ما أهل و لاية تيارت أن تكون عاصمة الفرس المغاربي و العربي. حيث كانت الولاية سباقة لاحتضان أول مهرجان وطني للفرس جمع محبي الفروسية و المولعين بسباق الخيل ،من مختلف ربوع الوطن.
خاتمة
ولاية تيارت من أجمل ولايات الغرب الجزائري تتميز بطابعها التاريخي والثقافي العريق . تُعرف أيضا بتنوعها الجغرافي الذي يجمع بين السهول والجبال، وبثرائها في الموارد الطبيعية، مما يجعلها وجهة زراعية وصناعية مهمة. بالإضافة إلى ذلك، تتميز بتاريخ عريق يتجلى في مواقعها الأثرية ومعالمها التاريخية. و كرأي شخصي، أرى أن ولاية تيارت تمثل لوحة متكاملة من الطبيعة والتاريخ. تجمع بين الأصالة والتطور، مما يجعلها منطقة واعدة للتنمية المستدامة. زيارتها تتيح فرصة فريدة لاستكشاف التراث الثقافي والتمتع بجمال الطبيعة، مع إمكانية استثمار إمكانياتها الاقتصادية الكبيرا.
المصادر و المراجع: وزارة السياحة و الصناعة التقليدية بتصرف، مجلة موضوع بتصرف ، ويكيبيديا بتصرف.