الصرع: عندما يتحدى العقل إشارات الدماغ!

مفهوم الصرع

الصرع: عندما يتحدى العقل إشارات الدماغ!

يسمى كذلك باضطراب النوبات، هو اضطراب عصبي مزمن يُصيب الدماغ ويتسم بنوبات متكررة غير مبررة ناتجة عن نشاط كهربائي غير طبيعي في الخلايا العصبية .تتراوح النوبات بين تشنجات خفيفة إلى فقدان كامل للوعي، ويمكن تحديد سببه عند بعض الأشخاص. وفي حالات أخرى يكون سببه مجهولاً.
وتختلف أعراض الصرع بناءً على منطقة الدماغ المتأثرة، ويُعد من أكثر الأمراض العصبية شيوعاً، ويُمكن إدارته بالعلاج المناسب.
الصرع مرض شائع، يُصيب الأشخاص بمختلف أجناسهم وأعراقهم وخلفياتهم العرقية وأعمارهم.
 حدوث نوبة واحدة للشخص لا يعني أنه مُصاب بالصرع (يُصاب 10% من الناس حول العالم بنوبة واحدة خلال حياتهم). ويُعرّف الصرع بأنه التعرض لنوبتين غير مبررتين أو أكثر، وهو من أولى الحالات الصحّية التي تعرف الإنسان عليها، حيث تشير إليها كتابات سُجلت في عام 4000 قبل الميلاد. يؤثر الصرع على نوعية حياة المُصابين بهذا المرض وأسرهم.

أنواع الصرع

تختلف النوبات الصرعية و هذه أنواعها:

النوبة الجزئية

و هي نوعان :

نوبة جزئيّة بسيطة (Partial seizures Simple)

هذا النوع لا يسبب فقدان الوعي، إنما قد تسبب تغيّرًا شعوريًا، أو تغييرا في الشكل، أو الرائحة، أو المذاق، أو أصوات أشياء معروفة.

نوبة جزئية معقدة أو مركّبة (Complex partial seizures)
 يُسبب هذا النوع تغييرًا في الحالة الإدراكية، ثم فقدانا للوعي لمدة زمنية معينة، كما يسبب تحديقًا في الفضاء وحركات بدون هدف محدد، مثل: فرك اليدين، وإصدار أصوات باللسان، وحركات باليدين، وإصدار حركات وأصوات ابتلاع.

2. النوبة العامة

و تتمثل هذه النوبة في :

نوبة التغيّب 

هي نوبة صرعية خفيفة (Petit mal): تتميز هذه النوبة بالتحديق في الفضاء، وبحركات جسدية ضمنية، وتدهور مؤقت في الوعي.

نَوبَةٌ رَمَعِيَّةٌ عَضَلِيَّة (Myoclonic seizure)

تظهر هذه النوبة بصورة حركات حادة في اليدين والرجلين.

نوبة توتّريّة ارتجاجية شاملة (tonic - clonic seizure) (Grand Mal)

 هو النوع الأكثر حدّة من النوبات، ويتميز بفقدان الوعي، وتصلب الجسم واهتزازه وارتعاشه، كما يتخللها أحيانًا عض اللسان أو فقدان السيطرة على مخارج الإفرازات.

أسباب الصرع

تتمثل أسباب الصرع فيما يلي :
  • هناك أنواع من الصرع يعود سببها الحقيقي إلى خلل في الجينات المسؤولة عن طريقة اتصال خلايا الدماغ ببعضها البعض، و هذا يخص انواعا نادرة فقط. هناك أنواع معينة من مرض الصرع تنتقل من جيل إلى آخر، إلا إن العوامل الجينية الوراثية لا تشكل سوى عامل واحد فقط من بين العوامل التي يمكن أن تسبب ظهور مرض الصرع.
  •  وربما يعود سبب لتأثر الشخص أكثر من غيرهم بالعوامل البيئية التي يمكن أن تؤدي إلى النوبات.
  •  تحدث النوبة الصرعية بسبب حادث، أو مرض، أو صدمة طبية كالسكتة الدماغية، التي تُسبب ضررًا للدماغ أو تمنع وصول الأكسجين إلى الدماغ.
  • في حالات نادرة قد يعود سبب ظهور مرض الصرع إلى ورم في داخل الدماغ، إن نوبات الصرع لا تحدث كلها بسبب عامل معين واحد يمكن تشخيصه وتحديده وهذا ينطبق على نحو النصف من المصابين بمرض الصرع.

ما هي مضاعفات الصرع؟

مضاعفات الحمل

 الصرع مرض تكون الأم معرضة له أثناء الحمل ، قد يعرض كلاً من الأم والطفل للخطر. لكن هناك أدوية معينة مضادة لنوبات الصرع تزيد خطر الإصابة بعيوب ولادية. فإذا كانت الأم مصابة بالصرع وتفكر في الانجاب، عليها أولا طلب المساعدة الطبية قبل ذلك.

فقدان الذاكرةو مشاكل في الصحة النفسية 

يواجه المصابون ببعض أنواع الصرع مشكلات في الذاكرة، و هم أكثر عرضة للإصابة بمشكلات الصحة العقلية. وقد ينتج ذلك عن الآثار الجانبية للدواء، ولكن حتى الأشخاص الذين يمكن السيطرة على نوبات الصرع لديهم جيدًا معرضون بشكل كبير للإصابة بمشكلات الصحة العقلية. وتتضمن مشكلات الصحة النفسية التي قد تؤثر في المصابين بالصرع ما يأتي:

  • الاكتئاب.
  • القلق.
  • الأفكار والسلوكيات الانتحارية.

الحالة الصرعية

و تتمثل في استمرار نشاط نوبة الصرع لأكثر من خمس دقائق، أو قد تحدث إذا كنت تصاب بنوبات صرع دون استعادة الوعي بالكامل فيما بينها. الأشخاص المصابون بهذه الحالة الصرعية معرضون بشكل أكبر لخطر تلف الدماغ الدائم والموت.

الموت المفاجئ غير المتوقع أثناء الصرع (SUDEP) 

الأشخاص المصابون بالصرع معرضون بنسبة منخفضة لخطورة الموت المفاجئ غير المتوقع. ولا يُعرف السبب في ذلك، إلا أن بعض الأبحاث أظهرت أنه قد يحدث نتيجة لأمراض في القلب أو التنفس. يكون الأشخاص المصابون بنوبات صرع توترية رمعية متكررة أو الذين لا تسيطر الأدوية على نوبات الصرع لديهم أكثر عرضة لخطر الموت المفاجئ غير المتوقع أثناء الصرع. 

الصرع هو خلل في نقل الإشارات الكهربائية في داخل الدماغ، وبالرغم من أن الاعتقاد الشائع هو أن مرض الصرع يُسبب دائمًا نوبة من الحركة اللاإرادية وفقدان الوعي إلا أن مرض الصرع في الحقيقة يظهر بصور متنوعة جدًا.

ملاحظة

أشخاص كثيرون، مثل: الأطفال الذين يعانون من الحمّى قد يعانون من نوبة صرعية لمرة واحدة، أما إذا تكررت الحالة وأصيب شخص ما بنوبتين صرعيّتين فإن احتمال التعرض لنوبة أخرى ثالثة يرتفع بصورة جدية جدًا، ومن الجدير بذكره أنه يجب الإصابة بنوبيتين على الأقل من أجل تشخيص مرض الصرع.

يظهر مرض الصرع بشكل عام في مرحلة الطفولة أو لدى البالغين فوق سن 65 سنة، ومع هذا قد يظهر مرض الصرع في أية مرحلة عمرية.

أعراض الصرع

  • ينتج الصرع جراء عدم انتظام نشاط خلايا الدماغ، لذا فإن نوبات الصرع قد تسبب ضررًا لأي عمل يقوم به الجسم ويتم تنسيقه بواسطة الدماغ، والنوبة الصرعية قد تسبب فقدانًا تامًا للوعي، وتحديقًا في الفضاء، وحركات ارتجافية غير إرادية في اليدين والرجلين.
  • تختلف علامات النوبة الصرعية باختلاف نوعها، في معظم الحالات إذا أحس الشخص بنوبات صرعية متكررة و تكررت الحالة لديه، فإن العلامات والأعراض تتطور و لا تبقى هي نفسها في كل نوبة، بحيث تصبح العلامات المصاحبة للنوبة الصرعية متماثلة من نوبة إلى أخرى. 
  • يصنف الأطباء النوبات إلى جزئية أو عامة، طبقًا لبداية   النشاط غير المنتظم في الدماغ، فإذا ظهرت النوبة نتيجة لنشاط غير منتظم في جزء واحد فقط من الدماغ تكون هذه نوبة صَرْعية جزئية، أما النوبة التي يجري خلالها نشاط غير منتظم في كل أجزاء الدماغ فتسمى نوبة عامة، في بعض الحالات قد تبدأ النوبة في جزء ما من الدماغ ثم تنتقل بعدها إلى جميع أجزاء الدماغ.

ما هي عوامل الخطر ؟

مرض الصرع مرض خطير لا يستهان به لأنه يتعلق بالدماغ، و الدماغ عنصر أساسي في جسم الإنسان ، لذلك فإن مضاعفات الصرع قد تؤدي إلى عوامل الخطر التالية:

  • التاريخ العائلي.
  • إصابات في الرأس.
  • سكتة دماغية أو أمراض أخرى في الأوعية الدموية.
  • أمراض التهابية في الدماغ، مثل: التهاب السحايا، وحدوث تشنجات وارتعاشات متواصلة خلال مرحلة الطفولة جراء ارتفاع الحرارة، والحمّى.

تشخيص مرض الصرع

يوصي الطبيب المعالج بإجراء بعض الفحوصات بغية تشخيص اختلالات أو شذوذات في عمل الدماغ، في الآتي أبرز الفحوصات التي قد يطلبها الطبيب:

 مُخَطـَّط كَهْرَبِيَّةِ الدِّماغ (Electroencephalogram - EEG)

يوفّر رصدًا تسجيليًا للنشاط الكهربائيّ في داخل الدماغ بواسطة مُحِسّات (Sensor) يتم تثبيتها على الجمجمة، والمصابون بمرض الصرع تظهر لديهم غالبًا تغيرات في القالب الترتيبي العادي لموجات الدماغ، بالرغم من عدم إصابتها بالنوبة في تلك اللحظة.

تَصْويرٌ مَقْطَعِيٌّ مُحَوسَب (Computed tomography - CT)

بواسطة استخدام تقنيات أشعة سينية خاصة يجمّع الجهاز صورًا من زوايا مختلفة ويدمجها معًا لعرض مقطع عَرْضيّ للدماغ والجمجمة، هذه الوسيلة تُساعد الطبيب المعالج في استبعاد ونفي عوامل محتملة قد تسبب النوبات الصرعية.

 التَّصْويرُ بالرَّنينِ المِغْناطيسِيّ (Magnetic resonance imaging - MRI)

يتم استعمال جهاز للفحص بالرنين المغناطيسي يقوم على موجات راديويّة مع حقل مغناطيسي ذي قوة كبيرة جدًا بغرض عرض صور مفصلة للدماغ، يمكنه الكشف عن اختلالات في بنية الدماغ قد تسبب ظهور النوبات الصرعية.

ملاحظة

الحشوات المستخدمة في ترصيص الأسنان أو الجسور المستخدمة لتقويم الأسنان قد تعطي صورة مغلوطة، لذا عليك إبلاغ تقنيّ الأشعّة بوجودها في فمك قبل بدء الفحص.

 التَصْويرٌ المَقْطَعِيٌّ بإِصْدارِ البوزيترون (Positron emission tomography - PET)

يُجرى هذا الفحص بواسطة حقن مادة إشعاعية في الوريد بغاية عرض المناطق النشطة الموجودة داخل الدماغ، يمكن التعرف على المادة الإشعاعية من خلال طريقة ارتباطها بسكّر الغلوكوز، فنظرًا لأن الدماغ يستعمل الغلوكوز لإنتاج الطاقة تظهر أجزاء المناطق النشطة في الدماغ في الصورة بلون فاتح أكثر.

التصوير بأشعّة(Single photon emission computed tomography - SPECT)

هذا الفحص يُستخدم أساسًا لدى الأشخاص الذين يجري فحص مدى ملاءمتهم للعلاج الجراحيّ لمرض الصرع حين لا تظهر المناطق في الدماغ المسؤولة عن النوبات الصرعية بوضوح في فحوصات التصوير بالرنين المغناطيسي ومخطط كهربية الدماغ.

هل يوجد علاج للصرع؟

 العلاج الدوائي

هو علاج يخص الأطفال الذين تلقوا العقاقير من أجل علاج الصرع يساعد في التوقف عن تناول الأدوية ليعيشوا حياة طبيعية بدون نوبات، كما أن عدد كبير من البالغين الذين يعانون من الصرع سيكون بمقدورهم التوقف عن تناول الأدوية في حال مرور أكثر من سنتين على النوبة الأخيرة.

من أجل التحكم في نوبات الصرع ينبغي تناول الدواء طبقًا لما يصفه الطبيب والمحافظة على اتصال وتشاور دائمين مع الطبيب المعالج، كما يجب إخبار الطبيب بجميع الأدوية المتناولة ومن الممنوع إطلاقًا التوقف عن تناول الأدوية التي وصفها الطبيب المعالج دون الرجوع إليه.

 علاج الصرع بالجراحة

عندما لا ينفع العلاج الدوائي، و تدل الفحوصات على أن مصدر النوبات يتركز في منطقة صغيرة ومحددة من منطقة الفصوص الصدغية (Temporal lobes) في الدماغ، ينصح بعلاج الصرع الجراحي. في حالات نادرة إذا كان مصدر النوبات متوزعًا في عدة مناطق مختلفة من الدماغ أو إذا كان مصدر النوبات في منطقة من الدماغ تحتوي على أجزاء وظيفية حيوية.

العلاجات البديلة

لا توجد أي علاجات بديلة لمرض الصرع لا بالأعشاب و لا بأي شيء آخر.

الخاتمة 

الصرع ليس مجرد مرض، بل تحدٍّ يعكس قدرة الإنسان على التعايش مع ظروف صحية صعبة. التوعية بأعراضه وطرق علاجه هي خطوة أساسية في مساعدة المرضى على إدارة حياتهم بشكل طبيعي. بفضل التقدم الطبي والعلاجات المتاحة، يمكن للعديد من المصابين أن يعيشوا حياة مليئة بالإنتاجية والأمل.

من وجهة نظري، من المهم أن يعمل المجتمع على تعزيز الوعي بهذا المرض وكسر الوصم الاجتماعي المرتبط به، لأن المصابين بالصرع بحاجة إلى دعم نفسي واجتماعي، إلى جانب العلاج الطبي، لتحقيق حياة كريمة وآمنة.

المصادر و المراجع

مايو كلينيك بتصرف ، واب طيب بتصرف.
- المقالة التالية - المقالة السابقة
لايوجد تعليقات
    إضافة تعليق
    comment url