عرس البيض: رحلة بين أصالة التقاليد وروح البهجة

عادات محلية تعكس تأثيرات الثقافية العربية والأمازيغية

عرس البيض: رحلة بين أصالة التقاليد وروح البهجة

 ولاية البيض أحد الولايات الجزائرية العريقة ذات زخم متنوع من العادات و التقاليد الضاربة في عمق التاريخ، تقع هذه الجوهرة الخلابة الواقعة في الجنوب الغربي الجزائري، هي أرض تجمع بين سحر الطبيعة وأصالتها عبر التاريخ ، موقعها يربيط بين الغرب و الجنوب. تكسوها الهضاب العالية والسهول الشاسعة، وتحيط بها مناظر طبيعية آسرة تتغير ألوانها مع تعاقب الفصول. لكنها ليست مجرد مشهد جغرافي فريد، بل هي موطن للأصالة والتراث . تُعرف البيض بكونها حاضنة لتراث ثقافي غني يعكس تنوعاً فريداً من نوعه، مازال أهلها يحافظون عليه إلى يومنا هذا حيث تتعانق عادات القبائل المحلية مع التأثيرات الثقافية العربية والأمازيغية.

العادات و التقاليد الجزائرية خاصة تمارس في جميع المجالات ،و من أبرز مظاهر هذا التراث، تبرز تقاليد الزواج التي تعكس الروح الجماعية والقيم الأصيلة للمجتمع. فالعرس في البيض ليس مجرد احتفال عائلي، بل هو مناسبة تعبر عن وحدة القبيلة وفرحة المجتمع بأسره. عبر طقوسها المميزة، من تجهيزات العروس إلى الولائم والحفلات الشعبية، يظهر فيه مدى تقديس أهل البيض لهذا الحدث الذي يمثل رمزاً لاستمرار الإرث الثقافي وامتداد الجذور. في كل تفاصيله، يبقى العرس هنا رحلة رائعة بين أصالة الماضي وروح البهجة التي تضيء الحاضر، مقدماً لوحة فنية متكاملة تجسد عراقة ولاية البيض وروعة تقاليدها.

العادات و التقاليد

 هي مجموعة من الممارسات الاجتماعية التي تنتقل من جيل إلى جيل منذ القدم ، وتعتبر جزءًا أساسيًا من الهوية الثقافية للمجتمعات.  ولاية البيض، مثل العديد من المناطق الجزائرية الأخرى، يتميز عرس هذه المنطقة بتقاليد غنية تعكس الثقافة الصحراوية، تختلف عن باقي ولايات الجزائر ،حيث تلتزم العائلات بتقاليد قديمة تتضمن الاحتفال بالزواج من خلال طقوس خاصة ،مثل الحنة، والأزياء التقليدية الفاخرة، والأطعمة المحلية التي تجتمع حولها العائلة والأصدقاء. هذه العادات تساهم في تقوية الروابط الاجتماعية وتعكس الفرح والتلاحم بين أفراد المجتمع.

مراحل الزواج في ولاية البيض

  • أولا الخطبة:

تبدأ مراسم الزواج في ولاية البيض كغيرها من البلدان العربية أو الإسلامية من خلال الخطبة، أو الشوفة حيث تذهب أم العريس وإحدى قريباتها لمعاينة العروس ،والتعرف على أهلها حيث يطلعون على جمالها وأخلاقها. تختار العائلات لأبنائها بكرا، التي لم يسبق لها الزواج  ،إذا تم قبول البنت واستشارتها وفق الشريعة الإسلامية، ( عندنا البكر تستأذن وقبولها هو الصمت والثيب أحق بنفسها من وليها )، هنا يأخذ أهل العريس موعدا آخر من أهل العروس من أجل ما يسمى بالمهيبة .

  • ثانيا المهيبة

وهي القفة ، نسبة إلى القفة التقليدية المصنوعة من الحلفة ، و التي كانت تستخدم قديما لجهاز العروسة ،  حيث توضع فيها مستلزمات للعروس من لباس تقليدي و أحذية و   وعطور و بخور ومواد التجميل ،إضافة  إلى الحلويات والشاي والقهوة والتمر.... إلخ، هذا كله يسمى الجهاز، تذهب به أم العريس مع قريباتها إلى بيت العروسة ،حيث يجدن أهلها في انتظارهم و بعد تقديم واجب الضيافة من مأكولات و مشروبات، تقوم أم العريس أو جدته بفتخ  الجهاز و تعرضه  أمام جميع الحضور من نسوة ، و هنا يأخذون موعدا آخر للمحط.

  • ثالثا المحط

تهذه المرحة تكون مهمة رجال من أهل العريس و العروس حيث يذهب ولي العريس مع مجموعة من كبار عائلته و جيرانه، إلى بيت أهل العروسة لدفع المحط و هو مبلغ من المال يقدمونه لأب العروسة أو من ينوب عنه من كبار العائلة. هذا المبلغ يحدد  الصداق أو المهر ، و يتحدثون عن  موعد الزفاف و عادة ما يحددونه  في نهاية موسم الحصاد. في هذا الوقت تقوم عائلة العروس  بتجهيز ابنتهم ليوم  العرس، و شراء كل ما يلزمها من ملابس و أحذية و صيغة إلخ. وهذا المعروف بالمنطقة ما بالشهرة،الصداق هو من العادات الأساسية في الزواج، ويختلف من عائلة إلى أخرى  في البيض، وقد يشمل نقودا أو بعض طقم مجوهرات ثمين.

  • رابعا الدفوع:

 يسبق عقد القران أو الفاتحة بيوم أو يومين على الأقل،   حيث يقوم أهل العريس بأخذ كل مستلزمات الفاتحة و الحنة. يأخذون شاتين على الأقل  ومواد غذائية ، و الكسكس، والخضر و الفواكه بما فيها التمر أو الدقلة ، السكر، الشاي، القهوة، الدهان العربي (زبدة البقر الأصلية )، طماطم معلبة ، بهارات وحتى مواد التنظيف....... إلخ. يتوجهون بهذه المؤونة  إلى بيت العروس، حيث يقومون بتحضير  وليمة غداء أو عشاء ،في اليوم التالي أو ما بعده تسمى الفاتحة، يحضرها مدعوون من أهل الزوجين للمشاركة في الاحتفال.

  • خامسا الفاتحة:

في هذا ليوم يقام  عقد قران الزوجين و  في بيت أهل  العروسة يحضره مدعوون من الرجال فقط. فبعد تقديم العشاء و أثناء تناول الشاي يجلس والدي العروسين في وسط جماعة من كبار الرجال يكون بينهم إمام أو كما هو متداول " طالب " يقوم بعقد القران شرعيا حيث يبدأ بطرح أسئلة عليهما و تتم الإجابة مثلا يقول " هل ترضى بتزويج ابنتك فلانة إلى فلان " فيرد أب العروسة " قبلت ذلك إلى آخر الحديث " و بعدها يدعو الإمام بالزواج المبارك و التوفيق للزوجين ثم يقوم الحضور بقراءة ما تيسر من القرآن الكريم. و يقوم الإمام بإلقاء درس عن الزواج و ينصح المقبلين عليه.

  • سادسا الحنة:

هي واحدة من أبرز  العادات  في الزواج،  في ولاية البيض و غيرها من ولايات الغرب الجزائري، حيث يتم تنظيم يوم خاص يُسمى "ليلة الحنة" يحتفل فيه النسوة فقط. تقوم فيه العروس بتزين يديها وقدميها بالحنة، ويُحتفل بهذه المناسبة بحضور الأقارب والأصدقاء مع الموسيقى والرقص التقليدي.
في هذا اليوم   حضر مجموعة من قريبات الزوج و قريبات الزوجة من أجل مأدبة غداء ، تكون الفرحة عارمة تملؤها الزغاريد  والأغاني التقليدية  والأهازيج الشعبية " القول" ولا تسمع إلا صوت البندير والكلمات المتناسقة من حناجر النسوة تتخللها رقصات فردية وجماعية يطلق عليها رقصة " الصف ".
بعد الغداء ، تحضر العروسة رفقة أمها أو إحدى قريباتها حيث تكون مغطاة الرأس و تقوم هذه المرأة بإجلاسها سبع مرات على الكرسي، الذي يتوسط الحضور وتأتي أم العريس  أو جدته لوضع الحنة في يد العروسة ، لكن
إذا كانت  مطلقة أو أرملة تكلف امرأة أخرى تنوب عليها حتى لا يكون هناك طلاق حسب معتقداتهم.
الحنة تخلط بالسكر والحليب وماء الزهر،  يضعونها كمية  في كف العروسة الأيمن ، مع اللويزة وهي عبارة عن حلي ذهبي دائري ، تشعل الفتيات العازبات  شموعا و يحيطون  بالعروسة. و بعدها تطفئ هذه الشموع في طبق الحنة. ثم يوضع طبق مزين بمنديل على أمام العروسة وهنا تشهر أم العريس المجوهرات المقدمة للعروسة كما تبدأ المدعوات في وضع مبلغ مالي  (الباروح أو التحماد)، أول مبلغ يوضع يقم من أهل العريس تسمى  دراهم " التزغريد "، 
تعود العروسة إلى مخدعها و تبقى الحفل مستمر إلى وقت متأخر من المساء مع كرم الضيافة كتوزيع الشاي و القهوة والحلويات.

  •  سابعا الرفود:

و هو  يوم الزفاف، ترتدي العروس فستانًا تقليديًا مزخرفًا، وتزين  بالذهب والمجوهرات. عادةً ما يكون الزفاف مصحوبًا باحتفالات تشمل تقديم الطعام التقليدي مثل الكسكس والطاجين و اارغيس و غيرها.يأتي أهل العريس بجمل يتقدم القافلة فوقه بيت يسمى " بالعطوش " تركب فيه العروس مزين بألوان يقوده كوكبة من الفرسان وهم يطلقون طلقات من البارود، و عند وصول إلى بيت العريس، يستقبل الوفد بالزغاريد و الطبل وتقوم إحدى قريبات العريس برش العروسة بالماء و السكر و هي تدخل مخدعها " الحجبة " وتبقى معها إحدى قريباتها إلى موعد دخول العريس بعد صلاة العشاء، يدخل العريس مخدعه  وتلبسه أمه  عقدا من ا " اللويز " ليكون دائما غاليا كالذهب حسب اعتقاداتهم.
تبقى العروسة في حجبتها سبعة أيام ، حثي لا تنتهي الإحتفالات  في بيت أهل العريس  الزغاريد وطلاقات البارود وأنغام الغايطة.

  • ثامنا الحزام

وهو اليوم السابع من أيام العرس حيث تخرج العروسة في وسط الحضور وتحمل في طرف فستانها الحلوى والتمر و المكسرات و قطع السكر ما يسمى ب (المخلط) و توزعها على المدعوين كما تضع قالب سكر في حجرها وتقوم أكبر سيدة عجوز في العائلة  بربط الحزام للعروسة. حيث أن العروس تمنع من  وضع الحزام من يوم الفاتحة إلى يوم الحزام. 


  • تاسعا المكـــب:

يكون في ليلة  الحزام، حيث تقوم أم العروسة بتقديم وليمة عشاء ، تضم أقارب العريس المقربين حيث تخرج العروسة و تسلم على جميع الحضور كإخوة زوجها و والده و أخواته و خالاته و عماته و نساء أعمامه، و هؤلاء حيث يقدمون لها مبلغا ماليا كهدية و هي فبدورها تقدم هدايا لقريبات الزوج.

ملاحظة


تُعتبر هذه التقاليد جزءًا من الهوية الثقافية التي تحافظ على الروابط الاجتماعية بين أفراد المجتمع في ولاية البيض، وتعكس الاحترام والتقدير للعائلة والمجتمع.
في ولاية البيض، كما في العديد من المناطق الصحراوية الجزائرية، يتسم طعام الأعراس والمناسبات الاجتماعية بالتنوع والتقاليد التي تعكس الضيافة الكريمة والذوق المحلي.


أهم التضاهرات في العرس البيضي:

  •  الرقص والموسيقى:

 تشتهر ولاية البيض بالرقصات التقليدية، مثل "العيطة" و"الرقص الصحراوي"، التي تُؤدى أثناء الأعراس. تميز هذه الرقصات الحركة السريعة والتواصل الجماعي، ما يضفي جوًا من البهجة على العرس.

  • الاحتفالات الجماعية

تكون الأعراس في البيض مناسبة اجتماعية كبيرة، حيث يُدعى إليها الأقارب والجيران والأصدقاء، وتستمر الاحتفالات لعدة أيام، وغالبًا ما تكون مصحوبة بمظاهر الفرح والترفيه.

  •  الاحتفال مع العريس

في ولاية البيض، يحتفل الرجال في يوم الزفاف بمجموعة من العادات والتقاليد التي تبرز الفرح والتلاحم الاجتماعي. يبدأ الرجال عادةً بتحضير أنفسهم بملابس تقليدية أنيقة، مثل الجلباب والعمامة أو الطاقية، ويتزينون بالمجوهرات البسيطة التي تعكس هوية المنطقة.

  • الموسيقى التقليدية:

 يكون الاحتفال مصحوبًا بالموسيقى التقليدية مثل الربابة والدف، حيث يشارك الرجال في الرقصات الجماعية التي تتميز بالحركات السريعة والإيقاعية.
 يتجمع الرجال في ساحة الاحتفال أو في خيمة خاصة ويبدأون بالغناء الشعبي والقصائد التقليدية التي تمجد العريس، وتُسمى الشماتة.

  • القرقابو و التصفيق

 يتميز الاحتفال في ولاية البيض باستخدام الطبول و البندير و القرقابو التي تعزز أجواء الفرح، حيث يشارك الرجال في التصفيق والهتاف.

  • الڨول:

الڤول هو نوع من الغناء الشعبي التقليدي عند النسوة في ولاية البيض، يتميز بكلماته البسيطة والمعبرة التي تعكس حياة الناس في المنطقة. يُؤدى الڤول بصوت جماعي ويعتمد على الإيقاع واللحن العاطفي، حيث يترافق مع كلمات تعبر عن الحب، الفرح، والحزن، وتُؤدى عادة في الأعراس والمناسبات الاجتماعية. يتميز الڤول باستخدام آلات موسيقية بسيطة مثل الربابة والطبل، ويجمع بين الأصوات الجماعية والفردية في تناغم يُضفي جوًا من الحماسة والفرح.

المأكولات التقليدية في الأعراس البيضية :

1. الكسكس: 

يعد الكسكس من الأطباق الرئيسية التي لا غنى عنها في الأعراس. يتم تحضيره بشكل تقليدي ويُقدم مع اللحم (عادةً لحم الضأن أو الدجاج) والخضروات مثل الجزر والكوسا. قد يُضاف إليه حمص أو زبيب لإضافة نكهة خاصة.


2. الطاجين:

 الطاجين هو مجموعة أطبقا من حريرة و معها طبق آخر طاجين زيتو و طبق حلو و خبز و سلطات إلخ  يتم تحضيره في الأعراس والمناسبات الخاصة. يمكن أن يحتوي الطاجين على لحم الضأن أو الدجاج مع الخضروات المختلفة، مثل البطاطا والجزر، ويُطهى مع التوابل الخاصة التي تعطيه نكهة مميزة.

3. الرفيس: 

الرفيس هو طبق تقليدي آخر يشتهر في المنطقة، ويتكون من دقيق الشعير مع السمن والعسل. يُعتبر هذا الطبق من الأطعمة التقليدية التي تُقدم في المناسبات الاجتماعية والأعياد.

4. اللحم المحمر:

 في بعض الأحيان، يتم تحضير اللحوم المشوية (خاصة لحم الضأن) وتقديمها مع الخبز الطازج والسلطات. يشتهر في بعض الأحيان تحضير لحم "الطاجين" أو "المشوي" على النار.

5. الحلويات: 

 لا يخلو العشاء من تقديم المعجنات والحلويات التقليدية، مثل "البقلاوة" و"الشباكية" و"غريبة"، التي تتميز بنكهة غنية ومعقدة نتيجة لاستخدام المكسرات والعسل.
تُعتبر هذه الأطعمة جزءًا أساسيًا من الاحتفالات العائلية والاجتماعية، وتُظهر التقاليد العريقة للضيافة في ولاية البيض، حيث يتم تقديم الأطباق بأشكال متنوعة لتلبية جميع الأذواق والمناسبات.

خاتمة:

تعتبر مراسم العرس في ولاية البيض جزءًا من التراث الثقافي الغني والمميز لهذه المنطقة الصحراوية. تجسد هذه الطقوس أبعاده العائلية والروحية التي تربط الأفراد بالمجتمع، حيث تمتزج العادات والتقاليد القديمة مع مظاهر الفرح والاحتفال. من ليلة الحنة إلى يوم الزفاف، يتم التعبير عن الأصالة والجمال في الأزياء والموسيقى والطقوس التي ترافق هذه المناسبات. بفضل تماسك المجتمع المحلي وحرصه على الحفاظ على التقاليد، يبقى عرس البيض واحدة من أروع المظاهر الثقافية التي تمثل الثراء التاريخي والاجتماعي للمجتمع الصحراوي.العرس البيضي يتميز بلمساته الأصيلة التي تجعل منه مناسبة لا تُنسى، تفيض بالفرح والاحتفال الجماعي. رغم تطور بعض العادات في بعض المناطق، يظل عرس البيض محافظًا على طابعه التقليدي، مما يجعله نموذجًا حقيقيًا للهوية الثقافية الصحراوية الجزائرية. إن الحفاظ على هذه التقاليد يشكل جزءًا مهمًا من تعزيز التراث الشعبي في المنطقة.



الكلمات المفتاحية:

  • عرس البيض
  • تقاليد الزواج في البيض
  • ليلة الحنة في البي
  • فستان العروس البيضوية
  • طقوس الزفاف في البيض
  • مجوهرات العروس في البيض
  • عادات الزواج الجزائرية
  • الأعراس الصحراوية
  • الكسكس في الأعراس
  • الثقافة الصحراوية
المصادر و المراجع : ويكيبيديا بتصرف ، وزارة الثقافة و الفنون بتصرف.



- المقالة التالية - المقالة السابقة
لايوجد تعليقات
    إضافة تعليق
    comment url