رحلة داخل العقل: استكشاف عالم انفصام الشخصية
مفهوم انفصام الشخصية
قماش قام بطرزه أحد المرضى المصابين بانفصام الشخصية (صورة من ويكيبيدبا)
انفصام الشخصية هو مرض يصيب عقل الإنسان، و هو خطير جدا لأنه يؤثر في طريقة تفكير ه وشعوره وتصرفاته. يؤدي الفصام إلى مزيج من الهلوسة والتوهم والتفكير والسلوك غير المنظم. وتشمل الهلوسة رؤية أشياء أو سماع أصوات لا يلاحظها الآخرون. وتشمل التوهمات الإيمان بشكل يقيني بأشياء غير صحيحة. الأشخاص المصابون بالفصام غير متصلين بالواقع كليا، و هذا ما يصعب حياتهم للغاية.
علاج انفصام الشخصية يكمن في رحلة داخل العقل و استكشاف عالم انفصام الشخصية و التعايش معه لأن مدة العلاج تكون مدى الحياة، ويشمل المعالجة بالمحادثة والمساعدة على تعلم كيفية إدارة أنشطة الحياة اليومية.
مرضى الفصام لا يدركون حقا أنهم مصابون بمرض عقلي ، يعتقدون أنهم ليسوا بحاجة إلى العلاج أصلا. ويكون لدى المصابين بالفصام غير المعالج أعراض أكثر حدة ويضطرون إلى البقاء فترات أطول في المستشفى من أجل العلاج، لديهم ضعف في مهارات التفكير والمعالجة والنتائج الاجتماعية ويتعرضون للإصابات، وحتى الوفاة. لكن العلاج المبكر غالبًا ما يسيطر على الأعراض قبل ظهور مضاعفات خطيرة، و هذا ما يحسن من التوقعات على المدى الطويل.
أنواع انفصام الشخصية
انفصام الشخصية (الفصام) هو اضطرابًا نفسي و عقلي معقد ، تتنوع أعراضه و تأثيراتها على الأشخاص. لا يُصنف الفصام عادة إلى "أنواع" بشكل رسمي في التصنيف الحديث للأمراض العقلية النفسية (مثل DSM-5)، ولكن هناك تصنيفات تفرق بين أشكال الفصام بناءً على الأعراضه السائدة. وهذه بعض الأنواع التي تم تحديدها في تصنيفات سابقة:
الفصام الهلاوسي (Paranoid Schizophrenia)
يتميز هذا النوع بوجود أوهام وهلاوس و سماع أصوات ، م و شعور دائم بالخوف من الآخرين. قد يعتقد الشخص أن هناك مؤامرات ضده أو أن أحدا ما يراقبه.
يتمثل تأثير هذا النوع في الشخص المريض في إحساسه بالشك الشديد، والأعراض المذكورة تجعله عنيفًا أو عدوانيًا.
الفصام اللامنظم (Disorganized Schizophrenia)
يتميز هذا النوع بتفكك التفكير عند المصاب و يتسم أيضا بالكلام الساكن. حيث يكون دائما في حالة من الارتباك والتوتر ولا يمكنه ترتيب أفكاره و لا يتحدث بمنطقية. يؤثر هذا النوع من الانفصام الشخصي على القدرة في أداء المهام اليومية، كالعمل أو الدراسة أو حتى الرعاية الذاتية، و هذه الأعراض تتسبب في سلوك غير متناسق أو غريب.
الفصام الكتاتوني (Catatonic Schizophrenia)
تكون فيه حركات المريض متكررة و غريبة دائما، و يظهر المريض دائما في حالة من الجمود الجسدي أو الخمول التام، أو يتنقل بين حالة من الحركات المتكررة أو المبالغة في النشاط والحركة.
الفصام غير المحدد (Undifferentiated Schizophrenia)
افي هذا النوع تكون أعراض الفصام غير مميزة أو غير متسقة لدى المصاب ، مقارنة مع الأنواع الأخرى المحددة. يكون لديه مزيج من الهلاوس، الأوهام، وخلل في التفكير.
الفصام المشترك (Residual Schizophrenia)
في هذا النوع تكون الأعراض السابقة (مثل الهلاوس أو الأوهام) قد خفت بشكل كبير، ولكن الشخص ما زال يعاني من الانسحاب الاجتماعي أو صعوبة التفكير. لكن الشخص قد لا يعود إلى ممارسة مهامه اليومية من الوظائف الاجتماعية أو المهنية الطبيعي.
في التصنيف الحديث للأمراض النفسية (DSM-5)، لا يُقسم الفصام إلى هذه الأنواع، بل يُنظر إليه كاضطراب واحد مع مجموعة متنوعة من الأعراض. الأطباء يعالجون الأعراض التي تظهر عند كل مريض بشكل فردي، مع التركيز على العلاج الدوائي والعلاج النفسي للمساعدة في إدارة الأعراض.
يختلف الفصام من شخص لآخر، ومن المهم أن يتم تقييم كل حالة على حدى بواسطة مختصين في الطب النفسي للحصول على التشخيص والعلاج المناسب.
أسباب انفصام الشخصية
الأَسبَاب الحقيقية للمرض مازالت مجهولة، تشير الأبحاث الحالية إلى أن العَوامِل الوراثيَّة والبيئية يمكن أن تكون سببا للإنفصام ، كما يمكن أن ينجم بشكل رئيسي عن مشكلة بيولوجية (تنطوي على حدوث تغيرات جزيئية ووظيفية في الدماغ)، و كذلك بعض العوامل الخارجية مثل الصدمات النفسية الكبيرة في الحياة أو الإدمان على المخدرات كلها قد تكون ضمن الأسباب و هذه بعض العوامل الأخرى المسببة لانفصام الشخصية :
الوراثة
العامل الوراثي المسبب لانفصام الشخصية يشير إلى التأثير الجيني الذي يزيد من احتمالية الإصابة بالاضطراب. تظهر الدراسات أن الأفراد الذين لديهم أقارب من الدرجة الأولى مصابون بانفصام الشخصية يكونون أكثر عرضة للإصابة مقارنة بغيرهم. يرتبط المرض بعدة جينات قد تؤثر على تطور الدماغ ووظائفه، خاصة تلك المتعلقة بتنظيم النواقل العصبية مثل الدوبامين. ومع ذلك، لا يُعد العامل الوراثي وحده كافيًا لظهور المرض، إذ يتفاعل مع العوامل البيئية مثل التوتر والعدوى لتطوير الأعراض.
عدوى الدماغ
عدوى الدماغ المسببة لانفصام الشخصية تشير إلى نظرية تربط بين التعرض لبعض أنواع العدوى، مثل الفيروسات أو البكتيريا، خلال مراحل مبكرة من الحياة وبين زيادة خطر الإصابة بهذا الاضطراب لاحقًا.
يعتقد الباحثون أن هذه العدوى، خصوصًا إذا حدثت أثناء الحمل أو في الطفولة المبكرة، قد تؤدي إلى استجابة مناعية تسبب التهابات تؤثر على تطور الدماغ. تشمل هذه العدوى الفيروسات مثل الحصبة الألمانية أو الإنفلونزا، التي قد تؤدي إلى تغييرات في بنية الدماغ أو وظائفه، مما يزيد من احتمال الإصابة بانفصام الشخصية لدى الأفراد الذين لديهم استعداد وراثي. ورغم ذلك، يبقى المرض ناتجًا عن تفاعل معقد بين العوامل البيئية والوراثية.
تشخيص الفصام
يشمل تشخيص الفصام استبعاد الحالات الصحية العقلية الأخرى والتأكد من أن الأعراض ليست ناجمة عن إساءة استخدام المواد أو الأدوية أو الإصابة بحالة طبية. و تتمثل خطوات التشخيص فيما يلي :
الفحص البدني
قد يُجرى الفحص لاستبعاد المشكلات الأخرى التي قد تسبب أعراضًا مماثلة والتحقق من عدم وجود أي مضاعفات ذات صلة.
الاختبارات والفحوصات
يشمل ذلك الاختبارات التي تساعد على استبعاد الحالات ذات الأعراض المماثلة وفحص تعاطي الكحول والمخدرات. وقد يطلب اختصاصي الرعاية الصحية أيضًا إجراء فحوصات تصوير، مثل التصوير بالرنين المغناطيسي (MRI) أو التصوير المقطعي المحوسب (CT).
تقييم الصحة العقلية
يفحص اختصاصي الرعاية الصحية أو اختصاصي الصحة العقلية الحالة العقلية من خلال مراقبة مظهر الشخص وسلوكه وطرح أسئلة حول أفكاره والحالات المزاجية والأوهام والهلوسة وتعاطي المواد واحتمال العنف أو الانتحار. ويشمل هذا التقييم السيرة المَرضية للمريض وأسرته.
عوامل الخطر ومضاعفات الفصام
عوامل الخطر
على الرغم من أن سبب الفصام مجهول، فإن هذه العوامل يبدو أنها تزيد من احتمالية الإصابة به:السيرة المَرضية العائلية للإصابة بالفصام.
تجارب الحياة، مثل العيش في فقر وتوتر وخطر.
بعض مشكلات الحمل والولادة، مثل تعذُّر الحصول على التغذية الكافية قبل الولادة ونقص الوزن عند الولادة والتعرض للمواد السامة أو الفيروسات قبل الولادة لأنها قد تؤثر في نمو الدماغ.
تعاطي العقاقير المُغيِّرة للمزاج ، تُسمى أيضًا بالأدوية الذهانية أو المؤثرات العقلية في سن المراهقة أو الشباب.
المضاعفات
إذا تُرك الفصام دون علاج، فقد يؤدي إلى مشكلات خطيرة تؤثر في كل مجال من مجالات الحياة.
تتضمن المضاعفات التي قد يُسببها الفصام أو قد يرتبط بها ما يأتي:
- الانتحار ومحاولات الانتحار والأفكار الانتحارية.
- اضطراب القلق واضطراب الوسواس القهري، المعروف باختصار OCD.
- الاكتئاب.
- إساءة استخدام المشروبات الكحولية أو المخدرات الأخرى بما في ذلك النيكوتين.
- عدم القدرة على العمل أو الذهاب إلى المدرسة.
- المشكلات المادية والتشرد.
- العزلة الاجتماعية.
- المشكلات الصحية والطبيَّة.
- التعرض للإيذاء.
- السلوك العدواني أو العنيف، على الرغم من أن الأشخاص المصابين بالفصام أكثر عرضة للتعرض للاعتداء بدلاً من الاعتداء على الآخرين.
الوقاية و العلاج من الفصام
الوقاية
لا توجد طريقة مؤكدة للوقاية من الفُصام. لكن يمكن أن يساعدك الالتزام بالخطة العلاجية على منع عودة ظهور الأعراض أو تفاقمها. يَتطلع الباحثون إلى أن معرفة المزيد عن عوامل خطورة الإصابة بالفُصام قد يُؤدي إلى تشخيص وعلاج مبكر.
العلاج
علاج انفصام الشخصية (الفصام) يعتمد على الجمع بين الأدوية والعلاج النفسي والدعم الاجتماعي. فيما يلي أبرز عناصر العلاج:
الأدوية: تتمثل في مضادات الذهان وهي أدوية أساسية لعلاج الفصام. تساعد في تقليل الأعراض الذهانية مثل الهلاوس والأوهام.
أمثلة: ريسبيريدون، أولانزابين، كلوزابين (لحالات الفصام المقاومة للعلاج).
العلاج النفسي: العلاج السلوكي المعرفي (CBT): يساعد المريض في التعامل مع الأعراض الذهانية وفهمها بشكل أفضل.
و أيضا هناك العلاج الأسري الذي يهدف إلى دعم العائلة لمساعدة المريض وتجنب الانتكاسات. و التدريب على
المهارات الاجتماعية لتحسين التواصل والتفاعل مع الآخرين.
إعادة التأهيل والدعم الاجتماعي: برامج إعادة التأهيل تساعد المريض على تطوير مهارات حياتية ومهنية و أيضا الدعم الاجتماعي من الأهل والمجتمع لهم أهمية كبيرة في التعافي.
الرعاية المتكاملة: في الحالات الشديدة أو أثناء الانتكاسات، قد يكون من الضروري إدخال المريض إلى المستشفى للحصول على الرعاية اللازمة.
العناية الذاتية وأسلوب الحياة : الالتزام بتناول الأدوية، النوم المنتظم والتغذية السليمة وتجنب الكحول والمخدرات.
ملاحظات
يجب متابعة العلاج باستمرار مع الطبيب النفسي لتجنب الانتكاسات.
العلاج المبكر يساهم في تحسين النتائج بشكل كبير.
خاتمة
انفصام الشخصية هو اضطراب نفسي خطير يتطلب تفهماً عميقاً ودعماً مستمراً من المحيطين بالمريض. العلاج الطبي والنفسي يوفران أدوات فعالة لتحسين جودة حياة المرضى، وتقليل الأعراض، ومنع الانتكاسات. الفهم المجتمعي الصحيح للأمراض النفسية، بما في ذلك الفصام، يسهم في تقليل الوصمة المرتبطة بها وتشجيع المرضى على طلب العلاج.
الأمراض النفسية، بما في ذلك انفصام الشخصية، يجب أن تُعامل كأي حالة طبية أخرى دون وصمة أو خجل. مع التقدم في الأبحاث والعلاج، يمكن للأفراد المصابين أن يعيشوا حياة طبيعية ومنتجة إذا تلقوا الدعم والرعاية المناسبين. نشر الوعي والمعلومات العلمية الدقيقة هو خطوة أساسية لتحسين التعامل مع هذه الحالات.
المصادر و المراجع : مايو كلينيك بتصرف ، الطبي بتصرف ، وزارة الصحة السعودية بتصرف.